للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن من أحسن شعر العتابى قصيدته التى مدح بها الرشيد وأولها:

يا ليلة لى فى حوران ساهرة ... حتى تكلّم فى الصبح العصافير

وقال فيها:

أفى الأماقى انقباض عن جفونهما ... أم فى الجفون عن الآماق تقصير

وهذا البيت أخذه من قول بشار الذى أحسن فيه كل الإحسان وهو قوله:

جفت عينى عن التغميض حتّى ... كأنّ جفونها عنها قصار

فمسخه العتابى، على أن بشارا أخذه من قول جميل:

كأنّ المحبّ لطول السّهاد ... قصير الجفون ولم تقصر

إلا أن بشارا أحسن فيه؛ فنازعهما إياه فأساء، وإنّ حقّ من أخذ معنى قد سبق إليه أن يصنعه أجود من صنعة السابق إليه، أو يزيد عليه، حتى يستحقه، وأما إذا قصّر عنه فهو مسىء معيب بالسرقة، مذموم على التقصير.

ولقد هاجى أبا قابوس النصرانىّ فغلّب عليه فى كثير مما جرى بينهما على ضعف منّة أبى قابوس فى الشعر، ثم قال فى هذه القصيدة:

ماذا عسى مادح يثنى عليك وقد ... ناداك بالوحى تقديس وتطهير

فتّ الممادح إلّا أنّ ألسننا ... مستعلنات بما تخفى الضمائير «١»

فختم البيت فيها بأثقل لفظة لو وقعت فى البحر لكدّرته، وهى صحيحة، وما شىء أملك بالشعر بعد صحّة المعنى من حسن صحّة اللفظ، وهذا عمل التكلف، وسوء الطبع.

وللعباس بن الأحنف إحسان كثير، ولو لم يكن إلا قوله:

أنكر الناس ساطع المسك من دجلة ... قد أوسع المشارع طيبا

<<  <  ج: ص:  >  >>