للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم دعا بأبى الجارية فقال: إنى مسرّ لك سرّا فلا يعدونّك «١» . فضمن له ستره فأعلمه أن ابنه قد عشق ابنته، وأنه يريد أن ينكحها إياه، وأمره أن يأخذها بإطماعه بنفسها، ومراسلته من غير أن يراها، أو تقع عينه عليها؛ فإذا استحكم طمعه فيهما تجنّت عليه، وهجرته، فإذا استعتبها أعلمته أنها لا تصلح إلّا لملك، أو من همّته همة ملك، وأن ذلك يمنعها من مواصلته، ثم ليعلمه خبرها وخبره، ولا يطلعها على ما أسرّ إليه، فقبل ذلك أبوها منه.

ثم قال للمؤدّب: خوّفه بى، وشجّعه على مراسلة الجارية، ففعل ذلك، وفعلت الجارية ما أمرها به أبوها؛ فلما انتهت إلى التجنّى عليه، وعلم الفتى السبب الذى كرهته من أجله أخذ فى الأدب، وطلب الحكمة، والعلم، والفروسية، ولعب الصّوالجة، والرّماية، حتى مهر فى ذلك، ورفع إلى أبيه أنه يحتاج من المطاعم والآلات والدوابّ والملابس والوزراء فوق الذى كان له؛ فسرّ الملك بذلك، وأمر له بما أراد، ودعا بمؤدّبه، فقال: إنّ الموضع الذى وضع ابنى نفسه فيه بحبّ هذه المرأة لا يزرى به «٢» ؛ فتقدّم إليه أن يرفع أمرها إلىّ ويسألنى أن أزوّجه إياها، ففعل، فزوّجها منه، وأمر بتعجيل نقلها إليه، وقال له: إذا اجتمعت أنت وهى فلا تحدث شيئا حتى أصير إليك. فلما اجتمعا صار إليه فقال: يا بنى، لا يضعنّ منها عندك مراسلتها إياك، وليست فى حبالك، فأنا أمرتها بذلك، وهى من أعظم الناس منّة عليك، بما دعتك إليه من طلب الحكمة، والتخلّق بأخلاق الملوك، حتى بلغت الحدّ الذى تصلح معه للملك بعدى؛ فزدها فى التشريف والإكرام بقدر ما تستحقّ منك. ففعل الفتى ذلك، وعاش مسرورا بالجارية، وأبوه مسرورا به، وزاد فى إكرام المرزبان، ورفع مرتبته وشرفه بصيانته لسره وطاعته، وأحسن جائزته وجائزة المؤدب

<<  <  ج: ص:  >  >>