للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باعتبار صحة هذا الاستثناء، فكما أنها لو كانت مفقودة لم يكن لها أثر، فكذلك إذا كانت موجودة. والثاني هو: أن المعنى الذي اقتضى صحة البدلية عند التأخير موجود. والذي اقتضى وجوب النصب عند التقديم مفقود، وإذا كان كذلك وجب البدل وبطل وجوب النصب على التقديم (١). وذلك أن معنى البدلية كونه مذكوراً بعد تابع عوضاً منه وهذا كذلك. فثبت أن المعنى الذي اقتضى صحة البدلية موجود. وأن المعنى الذي اقتضى وجوب النصب هو تعذر البدلية وذلك التقديم على الاسم المستثنى وهو مفقود. فثبت أن المعنى المقتضى لوجوب النصب مفقود. وإذا كان كذلك وجب صحة البدل كما لو تأخر أو لم تذكر صفة.

قال: "وتقول في تثنية (٢) المستثنى". يريد: إذا ثنيت الاستثناء من غير تشريك، فأما إذا ذكرت حرف التشريك فلا إشكال. فكل استثناء ثان فما بعده يجب فيه النصب، ولا إشكال في نصبه، ولذلك لم يمثل به لظهور أمره، كقولك: جاء القوم إلا زيداً إلا عمراً. وإن كان مع استثناء يجب له الرفع أو الجر أو يختار، وجب فيما عداه النصب، وهو ما مثل به كقولك: ما أتاني إلا زيد إلا عمراً (٣). وذلك أن أحدهما يجب أن يكون مرفوعاً بحق الفاعلية لـ "أتاني"ز فإذا استوفى الفعل فاعله لم يبق لعمرو إلا النصب على الاستثناء. ولا يتخيل التشريك مع عمرو في اللفظ لفقدان حرف التشريك. ولا يتخيل بدلية لانتفاء المعنى فيها. بقي أن يتخيل أن عمراً مخرج في التقدير من جماعة ليس منهم زيد نفي عنهم الإتيان، فكأنه قيل: ترك من عدا زيداً الإتيان إلا عمراً. ولو


(١) والنصب على الاستثناء هو اختيار أبي عثمان المازني. ابن يعيش ٢/ ٩٢.
(٢) المراد بالتثنية التكرار.
(٣) قال سيبويه: "وإن شئت قلت: ما أتاني إلا زيداً إلا عمرو، فتجعل الإتيان لعمرو، ويكون زيد منتصباً من حيث انتصب عمرو، فأنت في ذا بالخيار، إن شئت نصبت الأول ورفعت الآخر، وإن شئت نصبت الآخر ورفعت الأول". الكتاب ٢/ ٣٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>