للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَعَلام يخضعُ ذو النُّهى لمحقَّرٍ ... فانٍ، وأَيام الحياة قلائلُ

ومنها في المدح:

ولرمحه وحسامه وسهامه ... رعدٌ وبرق في العَجاج ووابلُ

وأنشدني له من قصيدة:

هتك الدُّجى برقُ الخيالِ السّاري ... سَحَراً، فنارُ الشوقِ أَيّة نارِ

سمحت به خِدَع المُنى فرأَيتُه ... وَهْماً بوحي لواحظ الأَفكار

والليلُ ممدودُ الرُّواق مخيّمٌ ... مُرْخٍ ذوائبَه على الأَقطار

فكأَنّه الزِّنْجيُّ جرَّ ذُيولَه ... مَرحاً، عليه حُلّةٌ من قار

وأَلذُّ زَوْرةِ عاشقيْن تناجيا ... بعد الكرى في خَلْوة الأَستار

حيث الجُسوم من الفُسوقِ طواهرٌ ... والفِسق في الأَرواح ليس بعار

لا تُخْدَعنّ، فما البدور كواملاً ... إِلا بدور معاقد الأَزرار

من كلّ خطّارِ القَوام إِذا انثنى ... أَزرى بقَدّ الأَسمر الخطّار

حَمَلَ الدُّجى في طُرَّةٍ من تحتها ... فلق الصباح يضيء للنُّظَّار

ومشى يُعربد بالعيون كأَنما ... سُقيت لواحظه كؤوسَ عُقار

وَسْنان، في رشَفات بَرْد رُضابه ... حرُّ الجوى وتلهُّب التَّذْكار

سلب القلوبَ بوَرْدِ خدٍّ أَحمرٍ ... وسُطورِ مسكٍ لُقِّبَتْ بعِذار

فكأَنما أَضحى كمال الدين في ... نهب القلوب له من الأَنصار

وأنشدني له في وصف الخصر من قصيدة أولها:

قُضُب النَّقا هزَّتْ عليك قدودا ... وأَرتْك آرامُ الخيام خُدودا

ومنها:

وبمُهجتي مَنْ هزَّ تيهاً قدُّها ... بيد الجمال على النَّقا أُمْلودا

هيفاء، جاذَبَ رِدْفُها من عِطْفها ... خصراً، تراه على الضَّنا مَعْقودا

دَقَّتْ معاقدُه، ورقَّ فخِلْته ... عَدَماً يصارع في الظنون وُجودا

ونقلت له من رسالة وَسَمها:

بالنَّسْر والبُلبل

فاختصرتها وأولها: طار طائر عن بعض الشجر، وقد هب نسيم السحر، وانفلق عمود الفلق، وانخرق قميص الغَسَق. مشهورٌ بالقَسْر، موسوم بالنَّسْر، والليل قد شابت ذؤابته، وابيضَّتْ قِمّته، وانهزم زِنْج الظلماء، من صَوْلة روم الضياء.

والفجر مثلُ عِذار مَنْ صارت له ... سِتّون عاماً بعد حُسن سَواده

أَو ثغرِ محبوبٍ تبسّم في الدَّجى ... إِذ زار من يهواه بعد بِعاده

وعلا حتى صار روحاً لأجساد السحب، ونديماً لدراري الشُّهُب، وعديلاً للأَفلاك، ونزيلاً للأَملاك.

فكأَنّه للشّمس جسمٌ، والسُّهى ... عينٌ، وللمِرِّخ قلبٌ يخفِقُ

ولكلّ نجمٍ في السّماءِ شَرارةٌ ... تُردي شياطين الرُّجوم وتحرقُ

غابوا لمطلِعه إِليهم واختَفوْا ... ورأَوْه يجمع نفسه فتفرّقوا

كأنما أجنحته ركبت من العواصف، واستلبت من البروق الخواطف، وأخذت من رمز الألفاظ، واستعيرت من غمز الألحاظ.

كأَنها مُقلة الحبيب إِذا ... خاف حُضور الرقيب أَوحَذِرا

أَوحى بها والعيون ترمُقه ... وهماً إِلى من يحبّه فَدَرى

منفرداً في طريق طلبه انفراد البدر، متوحداً في مضيق أربه توحد ليلة القدر، كأنه سهم رشق عن قوس القضاء، أو نجم أشرق في أفق السماء. والأرض تحته دخانية اللون، مائية الكون، مستبحرة الأكناف، متموجة الأطراف، كأنه صرح ممرد من قوارير، أو سطح الفلك الكري في التدوير.

أَو لجّة البحر إِثر عاصفة ... صافحت المتنَ منه فاصطفَقا

فطار عقل النُّوتيّ من فَرَقٍ ... وخرَّ موسى جَنانِه صَعِقا

يقبض أجنحته ويبسط، ويصعد إلى السماء تارة ويهبط، يجرح بأسنة قوادمه أعطاف القبول وأطراف الصبا، ويقد الشمأل بخوالف كأنها غروب الظبى، ويفتق بخوافيه جيوب الجنوب، ويخرق بصدره صدر الرياح في الهبوب.

فكأَنّ لمعَ البرق خطفُ هُوِيِّه ... وكأَنّ رشْق السهم نفضُ سُمُوِّهِ

وكأَنما جعل الرّياح خوافياً ... لجناحه في خفضه وعُلوّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>