مقرنص حيل، في كل خصاله مكمل، لا يستنكف من صيد السمانى والحجل، ولا يضعف عن الكركي والحرجل.
ثم استدى بالجسرة فحضر زرق أبيض لطيف، رشيق ظريف، كبير الراس، سهل المراس، قد حير عقول الناس، أحمر العينين، قصير الجناحين، غليظ الساقي، حسن الكف، مدور ملتف.
مُوَضَّنٌ، كبياض الثّلج ما سمحت ... بمثل صورته كلُّ الأَعاصيرِ
كأَنّ حُمْرَة عينيه وهامته ... سُلافةٌ فَضِلتْ في كأْس بَلُّور
فانظر إِلى نُقَطٍ في جُؤْجؤٍ لطُفَتْ ... كأَرجل النَّمل في تِمْثال كافور
مقرنص بيت، قد سلم من لعل وليت، تصير الطيور له كسيرة، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة.
ثم استدعى بالشهاب فأقبل بشاهين بيضاء كافورية، من كل عيب برية، مدنرة الصدر مدرهمة القفا، شيمتها ترك الغدر والأخذ بالوفا.
بيضاء كافوريّة اللون ما ... تنجو سباع الطير من كَيْدها
إِن أُطْلِقَتْ فالطيرُ من خوفها ... حاصلةٌ بالرّغم في قيْدها
وكلُّ ما يعلوه ريشٌ ففي ... قبضتها كرْهاً ومن صَيْدها
فكلية الدوران، بريقية الطيران.
ثم استدعى بالصاعقة فرأوا شاهين حمراء كالدينار، شديدة الاحمرار، طويلة الجناحين، قصيرة الساقين.
بحريّة أَرْبَتْ على العُقْبانِ ... جَلَّتْ عن الأَشكال والأَقرانِ
تَرْقى فما تُدْرَك بالعِيان ... الطائرُ القاصي لها كالدَّاني
تنقضّ كالنّجم على الشيطان
عريضة بعد الأكتاف والصدر، غير متعرضة للخلاف والغدر.
ثم استعدى بالمنجنيق فحضرت شاهين صفراء محية، نادرة بحرية، كثيرة النشاط، كبيرة الأقراط، طرية الأرياش، فرية الاستيحاش.
بُحَيْرِيةٌ مُحِّيَّةُ اللّوْن طُرِّزَتْ ... بأَفعالها المُسْتحسناتِ نُعوتُها
إذا أُرسِلتْ رامت عُلُوّاً كأَنما ... أُعدّ لها في منتهى الجوّ قوتُها
فإِنْ نحن أَقلعنا الطيور تحدَّرت ... كصاعقةٍ حِرصاً عليها تُميتها
صيدها الخفاف والثقال، وعثرة طائرها ما تقال.
ثم استدعى بالحطام فعبر بكرك أسود بحري، حسن سري، مردد ملتف، واسع الصدر قوي الكف.
مُشْرَئِبٌ ماضي البراثن ساطٍ ... مُستحيلٌ للطَّيْر منه النَّجاءُ
مُسْتَحِلٌّ سفك الدماء فما يسكن يوماً حتى تُراق الدِّماء
كم وكم لاذ بالهواءِ عِتاقُ الطّير منه فلم يَصُنْها الهواءُ
وكذاك استجار بالماء طير الماء خوفاً فما أجار الماء
مشمر عن ساق، كأنه متنمر لإباق، يثب إلى فوق، كأن به إلى السماء داعي شوق.
فلما استكملنا العدد، واستتممنا العدد، أخذ كل واحد منا بسباقة بازه وشاهينه، وسرنا على التؤدة والهينة، والسواعد والأنامل، لهن قواعد وحوامل، وحذرنا السهو والتغافل، وتحريق اليد والتراسل، وكل من طار بين يديه طائر أرسل عليه، والباقون ينظرون إليه، والبوزجات على الخيل قيام وقعود، كأنهن فهود.
فمِنْ أَبيضٍ ساطس أَقبَّ شَمَرْدَلٍ ... يفوق بياضَ الأُقْحُوان المُنَضَّدِ
ومن أَبلقٍ يلقى العيونَ بحُلَّتَيْ ... بياضٍ نقيٍّ واحمرارٍ مُوَرَّد
إِذا طائرٌ رام النَّجاة تبادرا ... إليه كسهمَيْ قوسِ رامٍ مُسَدّد
فإِن غاب شمّا التُرْبَ قصّاً كأَنما استعانا عليه بالدّليل المُجَوِّد
فهي تنظر طائراً تبيره، أو كامناً في نبجة تثيره، فطار بين يدي صاحب الزرق حجلة، وارتفعت إلى السماء فأرسله، فلزم لها وجه التراب ينظر إليها بإحدى عينيه شزرا، ويخفي نفسه عنها نكراً، فلما بعدت همت بالنزول، وأرخت رجليها، فنزا طالعاً إليها، فلقفها ونزل، وحسن فيما فعل، وسارع صاحبه إليه، وذبح في رجليه، ولم يقم حتى أشبعه، وبالشقة رفعه، وقال: ما كل من وعد وفى بالوعد، وليس في كل واد بنو سعد.