للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلُّ هذا عُلالةٌ ما لمن حا ... ز الثمانين بالنُّهوض يدان

رَغبةٌ في الحياة من بعد طول العُمْ ... ر والمَوْتُ غاية الإنسان

وقوله:

لا تَحْسُدَنّ على البَقاء مُعَمَّراً ... فالموتُ أَيْسَرُ ما يؤول إليه

وإذا دعوتَ بطول عُمْرٍ لامرئً ... فاعلم بأَنك قد دَعَوْتَ عليه

وقوله:

يا ربّ عفواً عن مُسي ... ئً خائفٍ ما كان منهُ

مُتَيَقِّن أَنْ سوف يَصْل ... ى النارِ إِن لم تَعفُ عنه

لما أنشدني في الشيب أنشدته لنفسي:

ليلُ الشَّباب تولىّ ... والشيْب صُبْحٌ تأَلّقْ

ما الشَّيْبُ إِلا غُبارٌ ... من رَكْضِ عُمري تعَلّقْ

وقلت: ما أظن أني سبقت إلى هذا المعنى. فأنشد لبعضهم بيتين وهما:

قالوا غبارٌ قد عَلا ... كَ فَقلتُ: ذا غيرُ الغُبارِ

هذا الذي نقل الملو ... كَ إلى القبور من الديار

قلت: ولكن حققت أنه من غبار ركض العمر، وهو معنى مبتكر.

وحضرت عند الأمير مؤيد الدولة أسامة يوماً آخر بدمشق سنة إحدى وسبعين، فأنشدني قوله في القديم في استدعاء صديقٍ إلى مجلس المنادمة بالموصل وقد غاب عنها:

أَمُهَذَّبَ الدين استمِعْ من عاتبٍ ... لولا وِدادُك لم يَفُهْ بِعتابِ

أَتُطيعُ فيَّ الدهرَ وهو كما ترى ... يقضي عَلَيَّ بفُرْقة الأَحباب

أَمَلْلَتني وجعلتَ سُكْرك حُجَّةً ... ونهضت أَم لم تستحلَّ شرابي

قَسَماً لئن لم تأْتني مُتَنَصِّلاً ... مُتَبرِّعاً بالعُذْر والإِعتاب

لأَحُرَمِّنَّ الخَنْدريس وأَغتدي ... مُتَنَسِّماً بالماء والمِحراب

وتَبُوءُ مُعْتَمِداً بإِثْمِ تَنَسُّكي ... وَبِعابِه، أَعظم به مِنْ عاب

وقوله في الشوق والمكاتبة:

لو أَن كُتْبي بقَدْر الشَّوْقِ واصلةٌ ... تَتَابَعَتْ كَدُموعي أَو كأَنفاسي

وإِن وجدتُ سبيلاً أَو قَدِرَتْ على ... خلاص عَقْلِ أَسيرٍ في يد الكاسِ

أَجْرَيْتُ أَسودَ عَيْني فوق أَبيضها ... بمائها لا مِداداً فوق قِرطاسِ

وقُلتُ للشَّوق يا سَحبانُ أَمْلِ على ... يدي، أُعيذُكِ مِنْ عِيّ وإِبلاس

حتى أَبوحَ بما أَشكو إِليك كما ... باح المريض بَشْكواه إلى الآسي

وقوله في العذار:

أُنظر شَمَاتَةَ عاذلي وسُرورَه ... بكُسوف بَدْري واشتهار محاقِهِ

غطَّى ظلامُ الشِّعْرِ من وَجَناته ... صُبْحاً تُضيءُ الأَرضُ من إِشراقه

وهو الجهول يقولُ هذا عارضٌ ... هو عارضٌ لكن على عُشّاقه

وأنشدني أيضاً لنفسه:

ما أَنت أَوّل مَنْ تناءَتْ دارُه ... فَعَلامَ قلبُك ليس تخبو نارُه

إِمّا السُّلُوُّ أَو الحِمام وما سِوى ... هذَيْن قسمٌ ثالث تختاره

هذا وُقوفُك للوَداع وهذه ... أَظْعان مَنْ تَهْوى وتلك دياره

فاستَبْقِ دمعك فهو أَوَّلُ خاذلٍ ... بعد الفِرَاق وإِن طما تَيّاره

فَذَرِ الدُّموعَ تَقِلُّ عن أَمد النَّوى ... إِن لم يكن من لُجَّةٍ تَمْتاره

لَيْتَ المطايا ما خُلِقْن فكم دمٍ ... سَفكَتْه يُثْقِلُ غيرَها أَوزراه

ما حَتْفُ أَنفِسنا سواها إنها ... لَهِيَ الحِمام أُتيح أَو إِنذاره

لو أَنّ كلَّ العِيس ناقةُ صالحٍ ... ما ساءني أَني الغَداة قُداره

وتناشدنا بيتاً للوزير المغربي في وصف خفقان القلب وتشبيهه بظل اللواء الذي تخترقه الريح وهو:

كأَنَّ قلبي إِذا عَنّ اذّكاركُمُ ... ظِلُّ اللواء عليه الريحُ تَخْتَرِق

فقال الأمير مؤيد الدولة أسامة: لقد شبهت القلب الخافق وبالغت في تشبيهه وأربيت عليه في قولي من أبياتٍ هي:

أَحبابَنا كيف اللقاءُ ودُوَنكُمْ ... عرضُ المَهامِه والفيافي الفيحُ

<<  <  ج: ص:  >  >>