يَطيبُ في الخَطْب نَشْرُ الحُرّ فهو به ... كالوَرْد في الهَمّ لمّا انْهمَّ بالعَرَق
وفي محمّدٍ المَيمونِ طائرُهُ ... شِفاءُ ما رابني في الخَلْقِ من خُلُق
مُؤيِّد الدين مَن ناجَتْهُ هِمَّتُهُ ... كانت إلى مُبْتغاه أَقْصَدَ الطُّرُق
ثِقْ منه بالشَّيْم بالسُّقْيا وإنْ وَعَدَتْ ... غُرُّ السَّحاب بها يوماً فلا تَثِقِ
سوف يعلم عند كشف الغطاء وصيحة الحق، ما مقدار ما لبسه من المَين وخلّفه من الصدق. قد سلف من برد البائية، والإشارة الحِربائية، ما يشفعه الاعتذار، ويسعه الحلم والاغتفار، من إطالة في تقصير، ودلالةٍ تفتقر إلى تبصير، لكن سرت والزميل ظنُّها الجميل:
فذالَتْ كما ذالَتْ وَليدةُ مَجْلِسٍ ... تُري ربَّها أذيالَ سَحْلٍ مُمَدَّدِ
تهجر في العجل قول عاذلها، وتعثر للخجل في ذلاذلها، وللآراء السامية في ستر خلّتها، وغفر زلّتها، والتشريف بالجواب عنها مزيد السموّ والاقتدار إن شاء الله.
وللحصكفي من خطبة بغير نقطة: ألا مُسدّد أراد وصل الآراد، وداوم مواصلة الأوراد، وأعدّ صلاة الأسحار لحصول صلة المَحار، وحاول دار السلام، ومحلّ الإكرام، دار سُرّ أهلها، ودام أُكلها، لا همّ ولا هرم، ولا علل ولا ألم، لا كدار الأكدار، ومُعار الأعمار، دار وِردها آل، وإطماعها مُحال، وإسماعها مِحال، وإمراعها إمحال، والدهر مداره لأهله دمار، وطواره لعالمه أطوار، إحلاء وإمرار، وإحلال وإمرار، وسُكْر وصحو، وسطر ومحو، كؤوسه سِمام، وسهامه سهام، إمّا وعد مطل، وإما أوعد هطل، رِهاماً درّ، وأحلاماً أمرّ، ما أكرم إلاّ مكر وركم، ولا رحم إلا رمح وحرم، ولا وصل إلا اصطلم وصرم، ولا مهّد إلا أهمد وهدم، ما مدح مسالماً، إلا ودهم كالماً، كم رسم ورمس، ووسم وطمس، ودعم وأعدم، وسالم وأسلم، كم سحر وحسر، وسهّل ووعّر، وأسر لما سرّ، وللعداوة أسرّ، كم سوّر وساور وأحال السوار، وروّع وعاور وألاح العوار، كم أراس وأعار، وأسار العار، مادِر ما درّ إلا للإكداء، ماكرٌ ما كرّ إلا للإرداء، ماحلٌ ما حلّ إلا للإسراء، ماصحٌ ما صحّ إلا للأدواء.
وللحصكفي هذا البيت المقبول المقلوب، الذي تتقلّب نحوه القلوب:
أَليفُ الشَّتات شَتيتُ الأَليف ... بعيدُ القَرين قَرين البِعاد
وله في هلال الفطر، بيتان كصيّب القَطر، وطيّب العطر:
تَباشَروا بهِلال الفِطْر حين بَدا ... وما أقام سِوى أنْ لاحَ ثم غدا
كالحِبِّ واعَدَ وَصْلاً وهو مُحتَجِبٌ ... فحين بانَ تَقاضَوْهُ فقال: غدا
وأنشد الشيخ محمد الفارقي عنه قولاً:
سألتُه اللَّثْمَ يومَ البين فالْتَثما ... وصَدَّه التِّيهُ أنْ يَثْنِي إليَّ فَما
فكيف أطلُب حِفظ الودّ من صَلِفٍ ... سألتُه قُبلَةً يوم الوَداع فما
وأنشد أيضاً عنه:
وليلةٍ أرشفتْني ظَلْمَ من ظَلَمَا ... ونوَّلَتْني من الطَّيْف المُلِمّ لَما
ولو درى أنني في النوم فُزتُ به ... مِنْ بُخلِه ثم حاولتُ الرُّقاد لَما
وهذه من لطائف التجنيس، وطرائف النظم النفيس، كلمٌ في العذوبة كاللمى، وألفاظ كألحاظ الدمى، ومعان في صفاء المعين، وحسن الحور العين.
وقرأت في تاريخ السمعاني كتب لي عسكر بن أسامة النَّصيبي قال: وفيما كتب إليّ الخطيب أبو الفضل يحيى الحصكفي:
فَعَتْبي له عَتْبُ البريء وخِيفَتي ... لحِرصي على عُتْباه خِيفَةُ جانِ
فإنْ يكُ لي ذَنبٌ فأينَ وَسائلي ... وإن لم يكن ذَنبٌ ففيمَ جَفاني
قال: وللحصكفي:
للهِ مَن زادَنا تَذْكَارُهم وَلَهَاً ... وصَيَّروا زادَنا يَوْمَ الرحيل ضَنا
وله قرأته في بعض الكتب:
على ذوي الحُبِّ آياتٌ مُتَرْجمةٌ ... تُبين من أجله عن كلِّ مُشتَبِهِ
عَرْفٌ يَفوح وآثارٌ تَلوحُ وأسْرارٌ تَبوحُ وأحشاءٌ تَنوحُ بهِ
وله في لزوم ما لا يلزم:
أقول وربّما نفعَ المَقالُ ... إليك سُهَيْلُ إذ طَلَعَ الهلالُ القمر