ويحك أريد البَيّاسيّة، لا العبّاسية، والتي أشرقت، لا التي شرّقت، والتي لها النهي والأمر، لا التي تُنسب إليها الخمر، وأنت من سكان، هذا المكان، من الجفاة الفِظاظ، والأجباس الغِلاظ، من العتاة الغدرة، أُهَيْل هذه المدرَة، لنا الظلال والأندية، ولكم الجبال والأودية، الماء منّا إليكم، والمنّة لنا عليكم، يا نَقَضَة العهود، أخلاق الفهود، أليس صاحبكم غدر، وأعقب الصفوَ الكدر، وعَقّ أربابه، وتناسى أحبابه، لا جرم أنهم جانبوه، فما كاتبوه، ونسوه، وما وانسوه، وألغوا حرمه وأنكروه، وأقسموا أنهم لا ذكروه.
فقال المقصود بالمحاورة، لقد أضعت حقّ المجاورة، مهلاً أَبَيْت اللعن، كُفّ ولا تُكثر الطعن، واسأل العفو إن عفا، فمن اغتاب خرَّق ومن استغفر رَفا، إن كنت سِحْت، تطلب السُّحت، فامضِ لطيّتِك، وانزع عن خطيئتك، وذرِ القَدْح، ودونك الكدح، مالك والنميمة، والأخلاق الذميمة، فلا وأبيك إن كان نزع، ولا نهاه الوعظ ولا وزع، فعلمتُ أنه من الحُسّاد، وطالبي الإفساد، وأمهلته حتى بسط وشرح، وقسط وجرح، ثم رميت نحوه بالشِّصّ، ودببتُ إليه دَبيب اللصّ، وكنتُ قد طعّمْت، قبل أن أَعَمْت، وقلتُ يا غافر الحُوب، وعالم الغيوب، إن كان كذب على أهل بلدي، فأوقِعه بجُرمه في يدي، فحُملتْ دعوتي على الغمام، لتورُّعي عن الحرام، وإذا هو قد عَلِقَ، واضطرب وقلق، وكلما رفعه الموج الطامي، أنشد متمثِّلاً للقَطاميّ:
ليست تُجَرَّحُ فُرّاراً ظُهورُهمُ ... وفي النُّحورِ كُلومٌ ذاتُ أَبْلادِ
فلما رأيته غويَّ الشيطان، قويّ الأشطان، خفتُ أن يقطع الشعَر، فزحفتُ وما شعر، ولذعتُه بالرُّدْنَيْن، ورفعته إلى القُوبَيْن، وقلتُ خذها من عُبَيْد، وأنشدت لفارس زُبَيْد:
عَلامَ نقولُ الرُّمْحُ يُثْقِلُ ساعدي ... إذا أنا لم أطعن إذا الخيلُ كَرَّتِ
وها هو ومن يراه، في الصرعى كما تراه، وقد تلوتُ ما بلوتُ، وألقيتُ وما أبقيت، فانظر ماذا تصنع، وما جوابك عما تسمع، فقلتُ: ورافع ذات البروج، وما لها من فروج، والذي ألهمك، أن تغتال السمك، وأحلّ لك الميْت، وأسكنهم هذا البيت، وجعل عيشك في كشف عَوارك، وإبداء شُوارك، وزواك عن طلب المعالي، وجَلاك في سلب السَّعالي، ووكلك بالسِّياحة، وطول السباحة، كاسَف البال، مُرَعْبَل السِّربال، ما كان ما زعم، ولو صدق لقلتُ نعم، أأكون خائنا، وأحلف مائنا، فأجمع بين الحنث والخيانة، وأنسلِخ من الديانة، لكن تقوّل عليّ، فيما نسبه إليّ، تعدّى، فتردّى، وفرّط، وتورّط، وعاث، فما ظَفْرَ بمن غاث، وجار، فما وجد من أجار، تزيّد وافترى، فصار إلى من ترى، كان من الطغاة، فأُخذ مع البغاة، أعوزتهم الملاحِد، فجمعهم قبر واحد، انظُر إلى سوء حاله، وقُبح مآله، مات وشفتُه قالصة، ومُقلتُه شاخصة، فلا تغمض عينه، وقد حان حينه، ولا يُشَدّ لَحْيُه، بل يُشقّ نِحيُه، وسيبدو ما أخفى من الشَّنار، ثم مصيره إلى النار، فبالله إذا سلختَه وملّختَه، فقل يا خائن وَشَيْت، وبالنميمة مَشَيْت، فهذا لأهل النمائم، وعُقباك لكل ظالم، والله ما حُلْت ولا أَذْنَبت، ولقد قلت فأطنبت، وإنما الرسول كان، أيها الشيخان، فاذهبا عجَّل الله جزاءكما، وأحسن فيكما عزاءكما، لقد حويتما النَّوْك جِدّا، وجئتما شيئاً إدّا، من يظنّ بك من بعدها الزَّهادة، ومن يقبل من صاحبك الشهادة، وحوتِ موسى وفَتاه، ما نطقت شفتاه، ولهذا نسياه وشخصا، فارتدّا على آثارهما قصصا، ولا ادَّعى يونس لحوته ذاك، فدعنا يا عُبَيْد من أذاك، لعلّه كان في المنام، فهو أشبه بالأحلام، كلا بل شبّهتُما، فنبّهتُما، وحكيتُما، فأبكيتُما، وجعلتما الحوت مثَلا، وما ضربتماه إلاّ جدلا، كنِعاج الخصم إذ تسوّروا المحراب، حتى خرّ داوود راكعاً وأناب، وسأُنيب إلى تلك الموالي، بكشف أحوالي، واحرِص على الراحة، ببراءة الساحة:
فأُقسِمُ أنّي ما نقضتُ عُهودي ... ولا حُلتُ يَوْمَاً عن وِداد وَديدي
وأَسْتَعطِف القاضي سعيداً فإنّه ... به نَجَمَتْ بين الأنام سُعودي
وأجعلُ من جُودي هُجودي على النَّوى ... فَمِنْ عَدَمٍ حتى اللقاء، وُجودي