للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيا دَوْلَةَ البُعدِ الوَخيمةَ أَقْشِعي ... ويا مُدّةَ القُرب الكريمةَ عُودي

لتَبْيَضَّ آمالي وتسْوَدَّ لِمَّتي ... ويخْضَرَّ من بعد الذُبولة عُودي

وَتَنْعمَ سُكْراً نفسُ كلِّ مُخالِصٍ ... وَيَرْغَمَ غيظاً أَنْفُ كلِّ حسودِ

وله مما أودعه رسالةً أخرى سمّاها بالكُدريّة على لسان قَطاتَيْن، اختصرتها:

سِرُّ حَياةٍ وشَرُّ مَوتٍ ... حياةُ نَفسٍ وَمَوْتُ قلبِ

حِزْبان مِن باطلٍ وحَقٍّ ... ما بَرِحَا في عظيمِ حَرْبِ

فَكَوْنُ ذا في نعيمِ رُوحٍ ... بكَوْنِ ذا في أليم كَرْبِ

ومنها: ما كُدْرِيَّةٌ كدَّرَ البَينُ مَشارِبَها، وأبهمَ الحَيْنُ مَسارِبها، عضَّها بالسُّخْط، ولم تَخْطُ، وغَضَّها بالسَّجْن، ولم تَجْنِ، تُصبح كالكُبَّة، لضِيق القُبَّة، فتَطَّلِعُ من الكُوى، وتضطلع بما يوهي القُوى، تتسامع في الصياح، وتبُثُّ الرياح، جوى الارتياح، فبينا هي في دَرسها، رافعة جَرْسها، عارَضتْها أُخرى فسقطت حيالها، وأنكرت حالها، وقالت: قد وسَمْتِ القَطا بالخُرْق، فانْتَفي من الوُرْق، أصبحتِ في المقام الأمين، كأصحاب اليمين، في حِصنٍ حصين، وبناءٍ رصين، قد مُهِّدَتْ أرضُه، وتناسبَ طوله وعَرضُه، الجارحُ يدنو إليكِ، ولا سلطان له عليك، إن عَفَتْكِ النُّسور، حال دونك السُّور، وإن حامت عليك اللِّقوة، خامَتْ ولها الشِّقوَة، وإنْ جمحَ نحوك الصَّقْر، جنحَ وحظُّه الفَقْر، مُحجَّبةٌ في القصر، مؤيَّدة بالنَّصر، يقومُ بطُعْمِك سِواك، ومتى وجدتِ الصَّدى أرواك، آمنةٌ من الطَّيش، لا يَكُدُّك طلبُ العيش، أعزُّ من الغزالة في الدُّلوك، مكرَّمةٌ كبنات الملوك، قد تسلَّفْت الراحة، وربحْت السَّاحة، ما عذرُك في الرَّقص، وهو من دواعي الوَقْص، ونتائج النَّقص، ويحك إنَّ الحَصان، مَن لفَّها الخَفَر وصان، ولن تَعدم البَرزَةُ قادِحا، وقَولاً فادحا. ومنها:

فاقْنَي حَياءَكِ أنْ تصيحي ... وتقبَّلي قول النَّصيحِ

والصَّمْتُ أجملُ فاصْمُتي ... إذْ ليس نُطقُكِ بالفصيح

وأَبشري براحة الإطلاق، ومَسرَّة يوم التَّلاق، فإنَّ رضاع القلوب، فَطْمُ النُّفوس عن المطلوب، فاجعلي الحكمة زادَكِ، واعلمي أنَّ ما نقصك زادك، وهذه إشارةٌ تكفُّك وتكفيك، إنْ نجعَتْ فيك، فتأَوَّهَت المَسجونةُ آهةَ حَزين، وفاهَت عن عقلٍ رزين، وقالت: هَناكِ، نَيلُ مُناكِ، وعَداكِ، مَيْلُ عِداكِ، ومُتِّعْتِ بسَعة الفضاء، ومُنِعْتِ من صَرف القضاء، ولا حرَمَك، أن تأْوي حرَمَك، وسلَّمك، ولا أَسْلَمَك، أَأَن خلا قلبُك، وحَلا قليبُك، فما غَلا حَبُّك، ولا حبيبك، واستطعت لذَّة النَّوم، قطَّعت أُختكِ باللَّوم، كلٌّ يعبِّرُ بلسانه، ويُخبر على قدْر إحسانه، ويشرح أوصاف العرَض، ولو صاف سهمُ الهدفِ، عن الغرض، فإنَّ المناطق، أحلى من حليّ المناطق، ومنها غُثاء السَّيل، وجَمع حاطب الليل، والحشَف وسوء الكيل، إنَّما صدَّك عن الإنصاف، أَشَرُ المَكْرَع الصّاف، باختيارك طِرْت، ولهذا بَطِرْتِ، وإليك سَراحُك، فمن أجله مَراحك، ما رقصي للطّرب، بل لابتغاء المُضطرب، ولا صياحي إلاّ للحَرَب، وفَوْت الأرَب:

ورُقادي إنَّما ينْ ... فيهِ هَمٌّ أنا فيه

وفؤادي مِحَنٌ تع ... ريه هَمٌّ يعتريه

حسبي ضيق المَقرِّ، وتعذُّر المَفَرّ، في بيت تدانى سقفُه، وأقرع رأسي نَقفه، وأخلق جناحي زَقْفه، وعدَلني عن البَراح، ورَوح المَغدى والرَّواح، وِردي الغُمْرَ بعد الغَمْر، فكأنَّه قدح الخَمر، يُخال لسواده القار، ثَمَدٌ لا يُغيِّب المِنقار، على طُعمٍ يُعَدُّ من الصِّلة، دون نصف الحَوصلة، قدر ما يسقي الماء، ويُبقي الذَّماء، وكلَّما ألقاه إليّ، وبثَّه لديّ، أقول من ها هنا أُتيت، وبمثله دُهِيت، ولقد أنشدني، قبل أنْ شدَّني:

طِرْ أَيُّها الطَّير واهْجُرْ ما خُدِعْتَ به ... فليس للحُبِّ نُلقي الحَبَّ لِلعاصي

وإنَّما هذه الأشياءُ سائرُها ... وإنْ حلَتْ لك، أشراكٌ لأَقفاص

<<  <  ج: ص:  >  >>