للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن الحرص والشَّره أَصَمّاني، والمِقدار بسهمه أصماني، وكنتُ لا أقبل المِنَّة، ولا أخاف الظِّنَّة، فدُفِعت إلى ما ترَيْن، أنْ عصيت الدِّين:

وإذا ما منحتُ دهري عِتابي ... فرَثى لي وجَدَّ في إعتابي

طلَعَتْ شمسُه عليَّ خُطوطاً ... فجلَتْني في لملبَس العَتّاب

وقَيِّمي الصَّغير، كأنَّه ليثٌ يُغير، علِم أَنّي أُجالسه، ثمَّ أُخالسُه، أسْتَسْلِم إليه، ثم أُسلِّم عليه، كامنة لانتهاز الفرَص، واختيار القفص على القفص، فبعثه فرط ظَنِّه، أنْ تَمثَّل على صغر سِنِّه: رُبَّ شَدٍّ في الكُرْز، وأخلى حُلَّتي من الطُّرْز، فعمد إلى القوادم فحَصَّها، وإلى الخوافي فقصَّها، وأبعدني من المؤالف، وأقعدني مع الخوالف، كيف يلائمني السكون، وأيُّ صَبرٍ يكون، إذا نظرت إلى أضرابي، ومَن عرفت من أترابي، وقد توالَفْن أزواجا، ورُحْن بعيني أفواجا، كلٌّ يرجع بالعَشِيِّ، إلى وَكره المَغْشِيّ، من طيِّب المآكل، إلى الحبيب المُشاكل، ومن صَفو المَناهل، إلى الرَّبْع الآهِلْ، قد اكتفى وانكفى، وَوَفي له كما وفى، فاذْكر مسكني، وما يفوت من سكَني، فليتَ شِعري حين آضَ، بمَن اعتاض، ولمّا راح، إلى مَن استراح، أظنّه اسْترجع تلك الفَينة، وسأل عنّي جُهَينة، فلمّا لم أعد إليه، وعَمِيَت الأنباء عليه، شدَّ إلى سِواي الرِّحال، وفي عَرارٍ خَلَفٌ من كَحْل، ليت شِعري مَن حَبا تلك الأنفال، وخلَّفني في الأُصَيْبِيَة الأطفال، ومَن هازَل الغصنَ المائل، وغازل تلك الشَّمائل:

ومَن وردَ الماءَ الذي كنتُ وارداً ... نعم ورعى العُشْبَ الذي كنت راعيا

وما أنا وابتغاء المُجون، وشكواي من السجن المسجون، إشارةٌ يطيش عنها سَهْمُكِ، ويطيح منها فَهمُك، ويستغرق مِقولُها صِفاتِك، ويغرق مِعولُها في صفاتك، فاخلعي بقدسها نعلَيك، واخْصِفي من وَرَقها عليك، فإنَّ حِمى الحقيقة، لحامي الحقيقة، مَنْ لي بذات الأضا، ووادي الغَضا، آه على عصر الكثيب، في الخِدن المُثيب، وبُكرة العلَم، بذي سلَم، ونسيم العِشا، بعَسيب أَشا، لا أشري بيوم الغَدير،، ملْكَ الخَوَرْنَق والسَّدير،، ولا أرى لبُرود الما، بَرْد عشِيَّاتِ الحِمى، إذ تَميدُ بي لِدان الأعواد، بالجَهْلَتين وبَطن الواد:

بأَصبى إلى ما فارَقَتْ يوم فارقتْ ... من العُشِّ والعيش الرِّضا والمُعاشِرِ

وماضي الصِّبا منّي إلى مَن فِراقُه ... رَدايَ ومَن لقياه إن متُّ ناشري

وما حالُ مَن تنأَى معاشِرُ أُنْسِهِ ... فيُضحي ويُمسي بين شرِّ مَعاشر

وإنَّ مُحَيّا الليث يَكشِرُ ضارِياً ... لأَمْلَحُ مِن وجه العدوِّ المُكاشِر

يمُدُّ بَناناً بالسّلام مُشيرَةً ... قضى العدلُ فيها لو تُمّدَّ لِواشِر

فها أنا حتى يُبشِر اللهُ مُنعِماً ... بقربِكُمُ للإنس غيرُ مُباشِر

والسلام على سادة الإخوان، وذادة الأحزان، سلاماً تحفُّه التّحيّات، وتحفّه الكرامات والبركات، فلبعدهم الكَرى مات.

وله وقد أودعها كِتاباً في استدعاء المُكاتبات:

فلا تُخلِني منها فإنَّ وُرودَها ... لعَيني وقلبي قُرَّةٌ وقَرارُ

وفي الكتْب نَجوى مَن يَعِزُّ حِوارُه ... وتقريبُ مَن لم يَدْنُ منه مَزارُ

قضى الله تسريحاً مُريحاً من الأسى ... بقربِكُمُ إنَّ البِعاد إسارُ

وله وقد أودعَها أُخرى:

أَما لهذا البِعاد مِن أمَدِ ... فيُطفِئَ القربُ لاعِجَ الكَمَدِ

ويجمع الدَّهر شملَ مُنفردٍ ... أصبح يبكي لنأْي مُنفردِ

فوالّذي راعَني بِبَينِكُمُ ... فَعيلَ صَبري وخانَني جلَدي

ما أَتّقي الموتَ عند ذِكرِكُمُ ... إلاّ بوَضْعي يدي على كبِدي

وطالما بِتُّ فيكمُ قَلِقاً ... أقطع ليل التَّمام بالسَّهَد

فما درى النّاسُ ما أُكاتِمُهُ ... ولا شكوْتُ الهَوى إلى أَحَدِ

وله أُخرى وقد أودعَها كتاب عِتاب:

فإنّا رِضِيعا وِدادٍ صَفا ... وناسي الرِّضاعة بئس الرَّضيعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>