وَفاحَ بالعَرْفِ من أَرجائِها أرَجٌ ... نال المسرَّةَ منهُ كلُّ مَحْزونِ
هبَّتْ تُنبّهُ أطرافي وَتبعثها ... مني وتوجبُ للتوهيم تهويني
وَما دَرَيْنا أدارَيّا لنا أَرَجَتْ ... أم دارَ في دارِنا عَطّارُ دارِينِ
نَسْري وَنْرتاحِ لاسْتنشاءِ رائحةٍ ... هَبَّضتْ سُحيراً عَلَى وَرْدٍ وَنْسرينِ
وَرُبَّ هَمٍّ فقَدْناهُ برَبْوَتها ... وَرُبَّ قَلبٍ أصَبْناه بقُلْبينِ
لولا جَسارَةُ قلبي ما ثبتُّ عَلَى الْعُ ... بور من طربٍ في جِسْر جِسرينِ
دِمشقُ عنديّ لا تُحْصى فضائلُها ... عَدّاً وَحَصْراً وَيُحْصى رَمْلُ يَبْرِينِ
وَما أَرى بلدةً أُخرَى تُماثلُها ... في الحسن من مصرَ حتَّى مُنتَهَى الصِّينِ
في كلّ قُطرٍ بها وَكْرٌ لِمُنكَسِرٍ ... وَمَسْكَنٌ غيرُ مَمْلولٍ لِمِسكينِ
وإنّ مَن باع كلَّ العمر مقتنعاً ... بساعةٍ في ذَراها غيرُ مَغْبونِ
لما عَلَتْ همتي صَيَّرْتُها وطني ... وَليس يقنعُ غَيْرُ الدُّونِ بِالدُّونِ
يُصْيبكَ مَيطْوُرهُا طَوْراً وََنيْرَبُها ... طوراً وتُوليك إحساناً بتَحْسينِ
ترى جَواسِقَها في الجوّ شاهقةً ... كأَنهنَّ قُصُورٌ للسّلاطينِ
دارُ النعيم وَمِنْ أَدنى محاسِنها ... ثمارُ تَمُّوزَ في أيامِ كانونِ
نعيمُها غيرُ مَمْنُوعٍ لساكنها ... كالْخُلْدِ، وَالْمَنُّ فيها غَيْرُ ممنونِ
كأنما هي للأبرار قدْ فتحتْ ... من الفراديس أبواب البساتينِ
أزهارُها أبداً في الرَّوْض مُونِقَةً ... فحُسْنُ نَيْسان مَوْصولٌ بِتِشرينِ
وَأَيُّ عَيْنٍ إِليها غَيْرُ ناظرةٍ ... وَأَيُّ قلبٍ عليها غَيْرُ مَفْتونِ
أَهْوَى مقرِّي بمقَرْيَ والرياضُ بها ... للزَّهْرِ ما بين تَفْويف وتزيينِ
هاجتْ بَلابلَ قلبي المُستهامِ بها ... بلابلُ الأَيْك غَنَّتْنا بتَلْحينِ
تَتْلو بَسَطْرى أَساطير الغرام على ... صوامِعِ الدَّوْح وُرْقٌ كالرّهابينِ
قُمْرِيُّها مُقريءٌ يشدو بنغمته ... آياً تَعَلَّمها من غَيْرِ تَلقينِ
وَللحمائم في الأسحار أَدْعِيَةٌ ... مرفوعةٌ شُفِعَتْ منّا بتأْمينِ
خافَتْ عَلى الرَّوْض من عَيْنٍ مُطَوَّقَةٍ ... أَضْحَتْ تُعوِّذُه منها بِياسينِ
من كلّ مُطْرب صَوْتٍ غير مُضْطربٍ ... وَكُلّ مُعرب لفظٍ غير مَلْحونِ
وَللبساتين أَنهارٌ جَداولُها ... تَسْتَنُّ في الْجَرْي أمثالَ الثَّعابينِ
وَقد تراءَتْ بها الأَشجار تحسِبُها ... صُفوفَ خَيْلٍ صُفونٍ في الميادينِ
كأَنما شَجر الرُّمّانِ ذو نَشَبٍ ... مُثْرٍ دنانيرُه مِلْءُ الهَماييِن
وللِخْلاف لإِظهار الخْلاِف على ... أَتْرابه وَرَقٌ شِبْهُ السَّكاكينِ
وكلُّ غُصْنٍ بِعَصْف الرِّيحِ مُمْتَحَنٌ ... كأنه عاقلٌ مُبْلىً بِمَجنونِ
لِلأُقْحُوانِ ثُغورُ الغانياتِ كما ... للنَّرْجِسِ الغَضِّ ألحاظ المْهَا الْعِينِ
وللبَنَفْسَج خالٌ للعِذار إذا ... ما الخْطَ بالخالِ حاكى عَطْفَةَ النُّونِ
والْوَرْدُ خَدُّ من التَّوْريد في خَجَلٍ ... والغُصْنُ قَدٌّ تَثَنِّيِه من اللّينِ
وللنسيمِ وَلوعٌ بالغَدير فما ... يَزالُ ما بين تَفْريكٍ وَتَغْضينِ
والماءُ من نَكْبَةِ النكباءِ في زَرَدٍ ... مُضاعَفِ السَّرْدِ ضافي النَّسْجَ مَوْضُونِ