وَلَعَمْري هذا صحيحٌ كما قا ... لوا ولكنْ قلبي به مكسورُ
ولو سطرت مدائحي فيه ثقلت الخريدة بحليها، ولم تنهض بأعباء وشيها.
وسنورد في القسم الرابع طرفاً من طرفها، ونعلي لحصن حسنه شرفاً من شرفها، ففي أهمال ذلك تقصيرٌ وتفريط، وفي تقريظ إحسانه للحسناء تقريط.
ولما سار إلى مصر وملكها، وأدار على مراده فلكها، أقمت ونور الدين رحمه الله لي مرتبط، وبي مغبوطٌ مغتبط، وأنا عطارد دواوينه، وعطار دارينه، ومشتري آفاقه، ومشتري وفاقه، وبرجيس برج سعده، وإدريس درس حمده وكيوان إيوانه، وسلمان بيته وديوانه، وأمين ملكه، وثمين سلكه، وخازن سره، ووازن أمره، وناظر ممالكه، وحاظر مسالكه، لا يراعي إلا بيراعي، ولا يذرع إلا بذراعي، ولا يقلع إلا في شراعي، ولا يتبع إلا أوضاعي لا سيما في المكاتبات، فإنه جعل الأجوبة إلى رايي، ورضي في مباديها وغاياتها بإنشائي فإذا تأملها وأعارها منه طرفا، لم يغير منها حرفا، وقال: رميت عن قوسي، وأعربت عما في نفسي، فلله درك ودرك، وكيف وافق سري سرك، ويقول: مافي خطٌ فلان خطأ ولا في قوله خطل، وما في داخله دخل، ولا في خلاله خلل، وكان يحلني في الذرى، ويجلني على الورى، ويكبرني عن الشعر، ويشتري مدحي بغالي السعر، فقيدني بهذا الإحسان عن اتباع الملك الناصر إلى مصر، فوفيت له إلى أن وفى مدته، وأبلى جدته، وأنجز الله من دار النعيم عدته، وكنت كموسى لازم شعيباً عليهما السلام حتى قضى الأجل ثماني حجج، ثم سار في أوضح نهجٍ بأضوإ حجج.
ومما قلته في نور الدين رحمه الله أنني في مبدإ وصولي إلى جنابه، تعذر لقائي له لشدة حجابه، فكتبت إليه:
ما أَعْلَمُ والحظُّ عَزيزُ الدَّرَكِ ... لِمْ أُحْرَمُ تَقبيلَ يَمينِ المَلِكِ
يا مَنْ بمُرادِه مَدارُ الفَلَكِ ... أَبْشِرْ بوقوع شاكرٍ في الشَّرَك
وسألني قدس الله روحه إن أعمل على لسانه دوبيتيات في الغزو والجهاد، فقلت:
أَقْسَمْتُ سِوى الجْهادِ مالي أَرَبُ ... والرّاحةُ في سِواهُ عِندي تَعَبُ
إلاّ بالجْدّّ لا يُنالُ الطَّلَبُ ... والعيشُ بلا جِدّ جهادٍ لَعِبُ
وقلت في المعنى:
لا راحةَ في الْعَيْش سِوى أَن أَغْزُو ... سَيْفي طَرَباً إلى الطُّلى يَهْتَزُ
في ذُلِّ ذوي الكُفْر يكونُ الْعِزُّ ... والقُدرةُ في غيرِ جهادٍ عَجْزُ
وقلت في المعنى على لسانه:
أَذْلَلْتُ ذَوِي الشِّرْكِ يِعزِّ الْعَزْمِ ... والكُفْر بهزِّ صارمي في عَزْمِ
شَيّدْتُ بِنُيَ المْلُك بأَمِري الجْزَمْ ... والنَّصْر رَأَيْتُهُ قرينَ الحزمِ
وقلت أيضاً:
لِلْغَزْوِ نَشاطي وَإليه طَرَبي ... مالي في العيشِ غَيْرَه من أَرَبِ
بالْجِدِّ وَبالجْهادِ نُجْحُ الطَّلَبِ ... والرَّاحَةُ مُسْتَوْدَعةٌ في التَّعب
وقلت فيه بعد التباسي بديوانه، واستئناسي بإحسانه، من كلمةٍ:
بالْمَلِكِ العادلِ مَحْمودِ ... أَنْجَزتِ الأيّامُ مَوْعودي
أَسْكَنني الإِقبالُ في ظِلِّه ... وَعاد حَظِّي مُورِقَ الْعودِ
مَنْ لم يَكنْ في ظِلِّهِ ساكناً ... فإِنه ليس بِمَسْعودِ
وَكيف لا يَسْعَدُ عَبدٌ له ... أَقامَ بينَ الْعَدْل والجْودِ
سَفائنُ الآمالِ من جُودِه ... قد اسْتَوَتْ مِنّا عَلَى الْجُودي
آلاؤُه الْبِيضُ بِلأَلائها ... تُشْرِقُ في لَيْلاتِنا السُّودِ
عَزْمَتُهُ مَشهورةٌ في الْوَرى ... وَسَيْفُه ليس بِمَغْمُودِ
وَثَلْمُ ثَغْرِ الكفرِ عاداتُهُ ... لا لَثْمُ ثَغْرِ الغادَةِ الرُّودِ
تَثْني مَثاني الذِّكر عِطْفَيْهِ لا ... لحنُ الْمَثاني والأغاريد
وَفي مَطا الْجُرْدِ له راحةٌ ... تُنْسي وِصالَ الخْرُدَّ الْغِيدِ
غَدَوْتَ لِلْإسلام رُكْناً وكم ... رُكْنِ ضلالٍ بِكَ مَهدودِ
وَذُلّ لأَواءِ بَنِي الشِّرْك في ... لواءِ نَصرٍ لك مَعْقودِ