شَيَّدتَ بالشّام بِناءَ الهْدُى ... عَزْماً وَحَزْماً أيَّ تَشْييدِ
لَوْلاك لم تَعْلُ بأَطرافِه ... راياتُ إِيمانٍ وتوحيدِ
فلم تَدَعْ في أَرضه كافراً ... أَوْ مُلْحداً ليس بمَلحودِ
وَلم تُغادِرْ منهمُ سَيِّداً ... يَغِدُرُ إلا طُعْمَةَ السِّيدِ
وَلم تَزَلْ تُرْدي صنادِيدَهم ... بجُندِكَ الغُرِّ الصَّناديدِ
ومنها:
يا مُغْزِياً شَمْلَ العِدى واللُّهى ... في جَمعِه الحْمدَ بِتَبْديدِ
أَجَدْتُ لما جُدْتَ لي فاغْتَدَى ... بِمُقْتضَى جُودِك تَجْويدي
هُنِّي بكَ العْيِدُ وَقَوْلُ الْورَى ... هُنِّيتَ نورَ الدين بالْعيدِ
ومما قلته بالرها، هائيةٌ موسومةٌ بها، في مدحه أولها:
أَدْرَكتَ من كلِّ المعالي المُشْتَهى ... وَبَلَغْتَ مِنْ نَيْل الأماني المُنْتَهى
وهي طويلة جليلة، والهاء في روي أبياتها أصيلة.
ووصلت إلى الموصل فسام قطب الدين صاحبها، أخو نور الدين، كل شاعر هناك أن يعمل على وزنها ورويها، فما لحقوا غبارها، ولا كشفوا أسرارها.
وحدثت بالشام زلزلةٌ عامةً بكرة يوم الاثنين ثاني عشر شوال سنة خمسٍ وستين وخمسمائة عم بلاؤها البلاد وساوى تلاعها الوهاد، فمدحته بكلمةٍ أولها:
هَلْ لعاني الهْوى مِنَ الأسْرِ فادِ ... أوْ لِساري لَيْلِ الصَّبابِة هادِ
قَوِيَ الشَّوْقُ فاسْتقادَ دُمُوعي ... وَوَهى الصِّبْرُ فاسْتقال فؤادي
جَنِّبُوني خَطْبَ الْبِعاد فسَهْلٌ ... كلُّ خَطْب سِوَى النَّوَى والبعادِ
كنتُ في غَفلةٍ من البَيْنِ حتى ... صاح يومَ الأَثيلِ بالبَيْن حادِ
نابَ عنهمْ غَداةَ بانوا بقلبي ... رائحٌ من لواعج الوَجْد غادِ
أيُّها الصّادِرون ريّاً عن الْوِرْ ... دِ أما تَنْقَعون غُلَّةَ صادِ
لم يكن طَيْفُكُمْ يَضِنُّ بِوَصْلي ... لو سَمحتُمْ لنِاظري بالرُّقاد
قد حَلَلْتُمِ مِنْ مُهْجَتي في السُّوَيْدا ... ءِ وَمِنْ مُقْلَتي مَحَلَّ السَّوادِ
وَبَخِلْتُمْ من الْوِصالِ بإِسعا ... في أما كنتُمُ مِنَ الأجْوادِ
وبَعَثْتُمْ نَسيمَكُمْ يتلَقّا ... ني فعادَ النَّسيمُ مِنْ عُوّادي
أَبقاءً بعدَ الأحبَّة يا قَلْ ... بي ما هِذِه شُرُوطُ الْوِدادِ
ذابَ قَلْبي وسال في الدَّمعِ لمّا ... دامَ مِنْ نارِ وَجْدِه في اتِّقادِ
ما الدّموعُ التي تُحَدِّرُها الأَشْ ... واقُ إلاَّ فَتائتُ الأَكبادِ
أَيْنَ أَحبابيَ الكرامُ سَقى اللَّهُ عُهودَ ... الأحباب صَوْبَ الْعِهادِ
حَبَّذا ساكنوا فؤادي وعَهْدي ... بِهِمْ يَسْكُنون سَفْحَ الْوادي
أَتمنَّى في الشّامِ أهْلي ببغَدْا ... دَ وأَيْنَ الشّآمُ مِنْ بَغْدادِ
ما اعْتِياضي عن حُبِّهمْ يَعْلَمُ اللَّهُ ... تَعالى إلاّ بحُبِّ الْجهادِ
واشْتغالي بِخدْمَةِ المَلِكِ العادِ ... لِ محمودٍ الكَريمِ الجْوَادِ
أنا منهُ عَلَى سَريرٍ سُرُوري ... راتع العَيْش في مَرادِ مُرادي
قَيَّدتنْي منه بالشّآمِ منه الأيادي ... والأيادي للحُرِّ كالأَقْيادِ
قد وَرَدْتُ البَحرَ الخِضَمَّ وَخَلَّفْ ... تُ مُلوكَ الدّنْيا به كالثِّمادِ
هُو نِعْمَ الْمَلاذُ من نائب الدَّهْ ... رِ وَنِعْمَ المَعاذُ عِنْدَ المَعادِ