للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قمنا ولا خطرٌ إلا إلى خَطَرٍ ... دانٍ ولا خطوةٌ إلا إلى أجل

والعينُ تسحبُ ذيلاً من مدامعها ... والقلبُ يسحبُ أَذْيالاً من الوجل

أُكلِّفُ النفسَ معْ علمي بعزّتها ... وَطْئاً على البيضِ أو حَمْلاً على الأسَل

لكنني بالمواضي غيرُ مكترثٍ ... وبالأَسنَّةِ فيه غيرُ محتفل

وكاد يهلك لولا الصبرُ من فَرَقٍ ... وكدت أهلك لولا الحَزْمُ من جَذَل

حتى أتينا إلى ميعادِ مَأْمنةٍ ... يا صاحبيَّ فلو أبصرتما عملي

أواصلُ اللَّثْمَ من فَرْعٍ إلى قدمٍ ... وأُوصلُ الضمَّ من صَدْرٍ إلى كَفَل

وجَيَّبَ الشوقُ ثوباً من معانقةٍ ... منَّا علينا فلم يَقْصُرْ ولم يطل

وبات يُسْمعني من لفظِ منطقه ... أَرقَّ من كلمي فيه ومن غَزَلي

وددتُ أعضايَ أسماعاً لتسمعَهُ ... ولو تحمَّلْتُ فيه وطْأَةَ العَذَل

ودمعةُ الدَّلِّ يُجريها على جسدي ... فهل رأيت سقوط الطلِّ في الطّلَل

ونلتُ ما نلتُ مما لا أَهُمُّ به ... ولا ترقَّتْ إليه هِمَّةُ الأمل

ومرَّ والليلُ قد غارتْ كواكبه ... لما نوى الصبحُ تطفيلاً على الطّفَلِ

لم أَسْحَبِ الذيلَ كي أَمحو مواطِئَهُ ... لكنني قمتُ أمحو الخَطْوَ بالقُبَلِ

يا ليلةً قد تولَّتْ وهي قائلةٌ ... لا تظلمنِّيَ مع أيَّامِكَ الأُوَلِ

وقال عند خروجه من مصر وتوجهه إلى الشام:

لما دعا في الركب داعي الفراقْ ... لبَّاهُ ماءُ الدمع من كل ماقْ

يا دمعُ لم تَدْعُ سوى مهجتي ... فلِمْ تطفَّلْتَ بهذا السباقْ

إن كنتَ قد خفت لظى زفرتي ... فأنت معذورٌ بهذا الإباق

وإِن تكن أسرعتَ من جِنَّةٍ ... إنّ لها من أَنتي أَلفَ راق

مهلاً فما أنت كدمعٍ جرى ... وراقَ بل أنت دماءٌ تُرَاقْ

فقمتُ والأجفانُ في عَبْرَةٍ ... والدمعُ من مَسْألتي في شقاق

أَسقى بمُزْن الحزن روضَ النَّوى ... يا قُرْبَ ما أَثمرَ لي بالعناق

وأسلفَ التوديع شكري لكي ... يخدعَ قلبي بتلاقي التَّرَاق

وما عناقُ المرء محبوبَهُ ... إِلا بأنْ يلتفَّ ساقٌ بساق

لله ذاك اليوم كم مقلةٍ ... غَرْقَى وقلبٍ بالجوى ذي احتراق

ومعشرٍ لاقوا وجوه النوى ... وهي صِفاقٌ بوجوهٍ رِقَاق

ووالدٍ بل سيدٍ والهٍ ... سقاه توديعيَ كأساً دهاق

كأنّ ذاك اليومَ كأسٌ له ... الهمُّ شُرْبٌ ويدُ البعد ساق

يقول لي أَتعَبْتَ قلبي فلا ... لقيتَ من بعديَ ما القلبُ راق

أيقنتُ أنْ أَلْبَسَ في بلدة ... أخلاقَ قومٍ ما لهم من خَلاَقْ

هُمْ معشرٌ دقٌّ ومن أجل ذا ... أَضحتْ معاني اللؤم فيهم دقاق

لما سرتْ خيلي بهمْ عنهمُ ... أسميتُ قلبي بِعتاقِ العتاق

وبدرِ تِمٍ قال لي عاتباً ... فَلَلْتَ صبري يا كثيرَ النفاق

خدعَتني حتى إذا حُزْتَني ... سلَّطتَ بالبينِ عليَّ المِحَاق

قلت بدورُ التم أَسْرَى السُّرَى ... فارضَ بأني لك يا بدرُ واق

وابقِ طليقاً ما نأَتْ داره ... وَدَعْ أسيراً سائراً في وثاق

وربما كانَتْ لنا عودةٌ ... فإن تكنْ كان إليك المَسَاق

مذ صُعِقَ القلبُ لتوديعهم ... وخرَّ لم يَتْلُ، فلما أفاق

إن كان وجدي غيرَ فانٍ به ... فإن جسمي بعده غيرُ باق

والله ما يَسْوَى وإن كابروا ... يومَ النوى عندي غيرُ التلاق

<<  <  ج: ص:  >  >>