هذا وَلَيْتَ طريقَيْ ما رُميتُ به ... مسلوكتان لرُوَّاد ووُرَّاد
وما أسيرُ إلى رومٍ ولا عربٍ ... لكنْ لريحٍ وإِبراقٍ وإِرعاد
أقلعتُ والبحرُ قد لانت شكائمه ... جداً وأقلعَ عن موجٍ وإزباد
فعَادَ لا عادَ ذا ريحٍ مُدَمِّرةٍ ... كأنها أختُ تلك الريح في عاد
ولا أقولُ أَبى لي أن أفارقكم ... فحيثما سرتُ يلقاني بمرصاد
وقد رأيتُ به الأَشراطَ قائمةً ... لأن أمواجه تجري بأطواد
تعلو فلولا كتابُ الله صحَّ لنا ... أن السمواتِ منها ذاتُ أَعماد
ونحن في منزلٍ يَسْري بساكنه ... فاسمعْ حديثَ مقيمٍ بيتُه غادِي
ومنها:
لا يستقرُّ لنا جنبٌ بمضجعه ... كأن حالاتنا حالاتُ عُبَّاد
فكم يُعَفَّر خَدٌّ غر مَنْعَفِرٍ ... وكم يخرُّ جبين غير سَجَّادِ
حتى كأنا وكف النَّوْء تُقْلقنا ... دراهمٌ قَلْبَتْها كفُّ نَقَّاد
وإنما نحنُ في أَحشاءِ جاريةٍ ... كأنما حَمَلت منَّا بأولاد
ومنها:
يا إِخوتي ولنا من ودِّنَا نَسَبٌ ... على تباين آباءٍ وأجداد
نقرا حروفَ التهجِّي عن أَواخرها ... ونحنُ نخبطُ منها في أَبي جاد
ولا تلاوةَ إلا ما نكرره ... من مبتدا النحلِ أَو من منتهى صاد
متى تُنَوِّرُ آفاقُ المنارة لي ... بكوكبٍ في ظلام الليل وقَّاد
وأَلْحَظُ المُشرِفاتِ البيضُ مشرقةً ... كالبيضِ مشرفةً في عامِ أنجاد
وأستجدُّ من الباب القديم هَوىً ... عن الكنيسة فيه جلُّ إِسنادي
بحيث أَنْشُدُ آثاراً وأُنْشِدُهَا ... فيُبْلغ العذْر نشداني وإنشادي
القصرُ فالنخلُ فالجمَّاءُ بينهما ... فالأثلُ فالقصباتُ الخضرُ في الوادي
متى أروحُ وأغدو في معاهدها ... كما عهدتُ سماها الرائحَ الغادي
متى تقرُّ ديارُ الظاعنين بهمْ ... والبينُ يطلبهمْ بالماءِ والزاد
ومن النثر في وصف المركب وأهله: ثم إن البحر تخبطه شيطان الموج من مسر الريح، فلو رأيته وقد شاب في عنفوان شبابه، وشابه فروع الأطواد بأصول هضابه، والحنية تدوي بأهلها، كالخلية بنحلها، ونحن نصلي لمؤنس يونس وعلى لوح نوح، لاسترشدت رأي من آثر الجبل في العصمة وما لحقت بأبيه لولا وحي الله عز وجل ولقلت الصخر، يقي أنى حضر. هل غنى لمجنوبته عليه إلا المنية ولم يزل يدنو كالمجنون، ونداريه من الجنون، حتى كسته الرخاء ثوب وقارها، وأمسكت الزعزع عنه كاس عقارها، فصح وصحا بعد جنونه وسكره، ونطق منا بلسان المجاز بالحقيقة بعد المجاز، فوصلنا طرف الجزيرة بمسين غرة شعبان سنة ثلاث وستين وخمسمائة.
بلدٌ أعارته الحمامةُ طوقها ... وكساهُ حُلَّةَ ريشه الطاووسُ
فكأنما الأنهارُ منه سلافةٌ ... وكأَن ساحاتِ الديارِ كؤوسُ
ومن شعره في الزهر الباسم قصيدة مطلعها:
رافقها مطربُ الأَغاريدِ ... فاسْتَرَقَتْ هِزَّةَ الأماليدِ
ودَبَّ خمرُ السُّرى بأذرعها ... فَهْي على البيدِ في عرابيد
وغادرتْها الصبا بمهلكةٍ ... تفجِّرُ الماءَ في الجلاميد
تحملُ على روضِ عالجٍ خبراً ... تسنده عن ظبائه الغيد
أجرى عليه السحابُ دمع شَجٍ ... ومزَّقَ البرقُ جَيْبَ مَعْمود
فأغرق الريحَ بين أربعها ... موجُ وجيفٍ ببحر توحيد
ومنها:
في ذمة الشوق مهجةٌ ركضتْ ... تتبعُ زُوراً من المواعيد
أَهْدَوْا إليها الخيالَ إِذ كَحَلُوا ... جفونَ أحداقِها بتسهيد
وانعطفوا للأَراكِ وَهْيَ عَلَى ... عهدٍ من البانِ غيرِ معهود
عذرٌ يهزُّ الجفاءُ دوحتَه ... تحت صَدوح الملالِ غِرِّيد