ليس في هذا البيت مدح ولا ذم، ولا له في الثناء والإطراءِ سهم، فإنه كما أحسن بالإحياء، أَساءَ بالإِرداء، فكفر بهلاك أولئك حياة هؤلاء، ولو قال: أردى لئاماً بعد ما نعموا، وأحيا كراماً بعد ما هلكوا، لوفى الصنعة حق التحقيق، وأهدى ثمرة المعنى على طبق التطبيق.
طلعتَ والبدرَ نصف الشهر في قَرَنٍ ... فأشرقتْ بكما الأرضُونَ والفَلَكُ
وأسفرَ الجوُّ حتى ظَنَّ مبصرُهُ ... بأنَّ لَمْعَ السَّنَا في أُفْقهِ ضَحِكُ
يقودُ كلُّ مُجِنٍ ضِغْنَ ذي تِرَةٍ ... يكادُ من حَرِّه الماذيُّ ينْسَبِكُ
حتى أعادَ بحد السيفِ مُلْك بني الزهراءِ ... واستُرْجِعَ الحقُّ الذي تَركوا
فلو يكونُ لهم أمثالُهُ عَضُداً ... فيما مضى ما غدت مغصوبةً فَدَكُ
لقد أبطل في هذا القول المؤتفك، وغفل عن سر الشريعة في فدك، وفضل ممدوحه على السلف في الشرف، وأدت به المبالغة في الضلال إلى السرف.
وأنشدني الأمير مرهف بن أسامة بن منقذ للمهذب بن الزبير من أبيات:
بالله يا ريحَ الشما ... ل إذا اشتملتِ الليل بُرْدا
وحملتِ من نَشْرِ الخُزَا ... مَى ما اغتدى للنَّدِ نِدَّا
ونسجت في الأشجار بين ... غصونهنَّ هَوىً ووُدَّا
هُبِّي على بَرَدَى عَساهُ ... يزيدُ من مَسْراك بَرْدَا
أَحبابنا ما بالكُمْ ... فينا من الأَعداءِ أَعْدَى
وحياةِ ودكمُ وتُرْ ... بة وَصْلِكُمْ ما خُنْتُ عهدا
وأنشدني له من قصيدة أولها:
رَيعَ الفؤادُ خلالَ تلك الأَرْبَعِ ... فكأنها أَولى بها من أضلعي
منها في المديح في ابن رزيك الصالح وكان يغري الشعراء بعضهم بالبعض:
يا أيها المَلِكُ الذي أوصافُهُ ... غُرَرٌ تجلَّتْ للزمانِ الأَسْفَعِ
لا تُطْمِعِ الشعراءَ فيَّ فإنَّني ... لو شئتُ لم أجبن ولم أَتَخَشَّع
إنْ لم أكن مِلْءَ العيون فإنني ... في القول يا ابن الصِّيد ملءُ المسمع
فليمسكوا عني فللا أنني ... أُبْقي على عِرْضي إذنْ لم أَجْزَع
وأَهَمُّ من هجوي لهم مَدْحُ الذي ... رفعَ القريضَ إلى المحلِّ الأرفع
ولو انَّه نَاجى ضميريَ في الكَرَى ... طيفُ الخيال بريبةٍ لم أَهْجَع
وإذا بدا لِي الهجرُ لم أَرَ شخصه ... وإذا يقالُ ليَ الخنا لم أسمع
والناسُ قد علموا بأني ليس لي ... مذ كنتُ في أَعراضهم من مَطْمَع
ومنها في صفة الشعر:
فلأكسونّ عُلاكَ كلَّ غريبةٍ ... وَلَجَتْ بلطفٍ سَمْعَ مَنْ لم يَسْمَعِ
خُتمت بما ابتُدِئَتْ به فتقابلتْ ... أطرافها بمُوشَّعٍ ومُرَصَّع
والشعر ما إنْ جاء فيهِ مَطْلَعٌ ... حَسَنٌ أُضيفَ إليه حُسْنُ المَقْطَع
كالوردِ: أوَّلهُ بزهرٍ مُونِقٍ ... يأتي، وآخرهُ بماءٍ مُمْتِع
وأنشدني له القاضي الأشرف أبو القاسم حمزة بن القاضي السعيد بن عثمان، قال أنشدني والدي علي بن عثمان المخزومي، قال أنشدني المهذب بن الزبير لنفسه في ابن شاور المعروف بالكامل:
وخاصمني بدرُ السَّما فخَصَمْتُهُ ... بقوليَ، فاسمعْ ما الذي أنا قائلُ
أتى في انتصاف الشهر يحكيك في البَهَا ... وفي النورِ لكن أين منك الشمائل!
فقلتُ له يا بدرُ إنك ناقصٌ ... سوى ليلةٍ، والكاملُ الدهرَ كاملُ
وأنشدني بعض المصريين له من قصيدة أولها:
أَغارت علينا باللحاظِ عيونُ ... لها الحسنُ من خَلْف النِّقابِ كمينُ
وسَلَّتْ علينا من غُمُودِ جفونِها ... كذلك أسماءُ الغُمودِ جُفُونُ
ومنها:
أَعِرْ نظمَ شعري منك عَيْناً بصيرةً ... ففي طيِّهِ للكِيمياءِ كُمُونُ