للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الفراقُ وهذه الأظعانُ ... هل غيرُ وقتِكَ للدموع أَوَانُ

تتناهبُ الزفراتُ قلبَكَ كلما ... غَنَّى على فَنَنِ الغَضَا حَنَّانُ

قد حان حَسْبُك أن تَكلَّم مُقْلَةٌ، ... يومَ الترحل، أو يشيرُ بنان

لكن عَدَاكَ عن الأحبَّةِ مثلُها ... قَدٌّ، ولحظٌ ذابلٌ، وَسِنان

للبيضِ دون البيضِ ضَرْبٌ مثلما ... للسمر دون السمر فيك طعان

من كل معتقل القناةِ تخالُهُ ... أَسَداً يلوذ بكفِّهِ ثعبان

أخذه من قول أبي بكر بن اللبانة المغربي: فقلنا الصل يتبع ضيغما. وله:

يا ساكني مصرٍ أَمَا مِن رحمةٍ ... فيكم لمن ذهبَ الغرامُ بلُبِّهِ

أَمِنَ المروءةِ أن يزورَ بلادكم ... مثلي ويرجعَ مُعْدِماً من قلبه

وله من أول قصيدة:

هَجَرَ العذولَ وراحَ طَوْعَ غُوَاتِه ... ورأَى قبيح الغَيِّ من حسناتِه

ومنها:

يَبْدُو على الوردِ الجنيِّ إذا بدا ... خَجَلٌ من التقصير عن وَجَنَاتِه

يمشي فيلقَى خصرُهُ من ردفه ... مثلَ الذي أَلقاهُ من إِعْناتِه

وكأنّ نَمْلَ عِذارِه قد خاف أنْ ... يَسْعَى به فيزلّ عن مِرْآتهِ

لا تُرْعِ طَرْفَكَ خُضْرةً نبتتْ به ... فمصارعُ الألباب بين نَباته

مثلُ الحسامِ يروقُ خُضْرةَ جوهرٍ ... في متنه، والموت في جَنَباته

من لونهِ ذَهَبٌ وأَيُّ مثوبة ... يحظى بها لو خَصَّني بزكاته

لا تنكرنّ السحر فَهْوَ بطرفه ... ودليلُهُ ما فيَّ من نَفَثاتِهِ

وله

وليلةٍ باتَ فيها البدرُ يَفْضَحُنا ... غيظاً على قَمَرِي إذ باتَ يفضَحُهُ

والروضُ يُبدي إلينا من سرائرهِ ... معنىً يدقّ ولفظُ الريح يَشْرَحُه

وكلما نفحتنا من أَزاهره ... رَيَّا فمنَّا نسيمُ المسك ينفحَهُ

وقد تناهى بنا ضيقُ العناق إلى ... حدٍ كمُنْطَبقِ الجَفْنَيْنِ أَفسَحُهُ

كأنما قصدُ قلبينا لِقاؤُهُما ... دون الوسائطِ في أمرٍ نُصَحِّحُه

ولظافر هذا قصيدة زائية، وقع إلي منها ما أثبته وهو:

حُكْمُ العيونِ على القلوبِ يجوزُ ... ودواؤها من دائهِنَّ عزيزُ

كم نظرةٍ نالَتْ بطرفٍ ذابلٍ ... ما لا ينالُ الذابلُ المهزوزُ

فحذار من تلك اللواحظِ غِرّةً ... فالسحرُ بين جفونها مركوز

يا ليت شِعري والأماني ضَلَّةٌ ... والدهرُ يدرك صَرْفُه ويجيز

هل لي إلى زمنٍ تصرَّم عهدُهُ ... سببٌ فيرجعُ ما مضى فأفوزُ

وأزورُ مَن أَلِفَ البِعاد وَحُبُّهُ ... بين الجوانح والحشا مركوز

ظبيٌ تَنَاسَبَ في الملاحةِ شخصُه ... فالوصفُ حين يطولُ فيه وجيز

والبدرُ والشمسُ المنيرةُ دونه ... فالحسنُ منه يروقُ والتمييز

لولا تثنِّي خصرِهِ في رِدْفِه ... ما خِلْتُ إلاّ أَنه مغروزُ

تهفو غِلاَلَتُه عليه لطافةً ... فبجسمه من طَرْزِها تطريزُ

من لي بدهرٍ كانَ لي بوصاله ... سمحاً ووعدي عنده مَنْجوز

والعيشُ مُخْضَرُّ الجناب أَنيقُهُ ... ولأَوْجهِ اللذاتِ فيه بروز

والماءُ يبدو في الخليج كأنه ... أَيْمٌ لسرعةِ سيره محفوز

والروضُ في حُلَلِ النبات كأنما ... فُرِشَتْ عليه ديابجٌ وخزوز

والزهرُ يوهِمُ ناظريه بأنه ... ظهرتْ به فوق الرياض كنوز

فأَقَاحُهُ وَرِقٌ، وَساقِطُ طلِّهِ ... دُرٌّ وَنَوْرُ بَهارِه إبريز

ومنها:

وكأنما القُمْرِيُّ يُنْشِدُ مَصْرَعاً ... من كلِّ بيتٍ والحمامُ يُجِيزُ

وكأنما الدولابُ يَزْمُرُ كلما ... غَنَّتْ، وأَصواتُ الضفادع شِيز

<<  <  ج: ص:  >  >>