للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يلفت البين المصمّم لافت ... ويا ربّ حتى البارق المتهافت

غراب بتفريق الأحبة ينعب

خذوا بدمي ذاك الوميض المضرجا ... وروضا لقبر العاشقين تأرّجا

عفا الله عنه قائلا ما تحرجا ... تمشَّى الردى في نشره وتدرجا

وفي كل شيء للمنية مرهب

سقى الله عهدا قد تقلّص ظلّه ... حيا نظرة يحيي الربى مستهله

وحيا به شخصا كريما أجلّه ... يصحّ فؤادي تارة ويعلّه

ويلأمه بالذكر طورا ويَشْعَب

رماني على فوت بشرح ذكائه ... فأعشت جفوني نظرة من ذكائه

وغصت بأدنى شعبة من سمائه ... سعاني وجاء البحر في غلوائه

فكل قريّ ردع خدّيه يركب

ألم يأته أني ركبت قعودا ... وأجمعت عن وفد الكلام قعودا

ولم أهتصر للبين بعدك عودا ... وأرهقني هذا الزمان صعودا

فربع الذي بين الجوانح سبسب

على تلك من حال دعوت سميعا ... وذكّرت روضا بالعقاب مريعا

وشملا بشعب المذحجي جميعا ... وسِرْباً بأكناف الرصافة ريعا

وأحداق عين بالحمام تقلب

ولم أنس ممشانا إلى القصر ذي النخل ... بحيث تجافى الطود عن دمث سهل

وأشرف لا عن عظم قدر ولا فضل ... ولكنّه للملك قام على رجل

تقيه تباريح الرياح وتحجب

وكم مرجع ينتابه برسيسه ... ومعتبر ألقى بأرجل عيسه

يرى أم عمرو في بقايا دريسه ... كسحق اليماني معتليه نفيسه

فرفعته تسبي القلوب وتعجب

ببيضاء للبيض البهاليل تعتزي ... وتعتزّ بالبالي جلالا وتنتزي

سوى أنها بعد الصنيع المطرّز ... كساها البلى والثكل أسْمال مُعْوِز

فتبكي وتبكي الزائرين وتندب

وكم لك بالزهراء من متردد ... ووقفة مستنّ المدامع مقصد

تسكن من خفق الجوانح باليد ... وتهتك حجب الناصر بن محمد

ولا هيبة تخشى هناك وترقب

لنعم مقام الخاشع المتنسك ... وكانت محل العَبْشَمِيّ المملك

متى يزد النفس العزيزة يسفك ... وإن يسم نحو الأبلق الفرد يملك

وأي مرام رامه يتصعّب

قصور كأن الماء يعشق مبناها ... وطورا يرى تاجا بمفرق أعلاها

وطورا يرى خلخال أسواق سفلاها ... إذا زل وهنا عن ذوائب مهواها

يقول هوى بدر أو انقض كوكب

أتاها على رغم الجبال الشواهق ... وكلّ منيف للنجوم مراهق

وكم دفعت في الصدر منه بعائق ... فأودع في أحشائها والمفارق

حُساماً بأنفاس الرياح يذوّب

هي الخود من قرن إلى قدم حسنا ... تناصف أقصاها جمالا مع الأدنى

ودرجن بالأفلاك مبنى على مبنى ... توافقن في الإتقان واختلف المعنى

وأسباب هذا الحسن قد تتشعَّبُ

فأين الشموس الطالعات بها ليلا ... وأين الغصون المائلات بها ميلا

وأين الظباء الساحبات بها ذيلا ... وأين الثرى رحلا وأين الحصا خيلا

فواعجبا لو أن من يتعجب

كم احتضنت فيها القيان المزاهرا ... وكم قد أجاب الطير فيها المزامرا

وكم فاوحت فيها الرياض المجامرا ... وكم شهدت فيها الكواكب سامرا

عليهم من الدنيا شعاع مطنب

كأن لم يكن يقضى بها النهي والأمر ... ويجنى إلى خزَّانها البر والبحر

ويسفر مخفورا بذمتها الفجر ... ويصبح مختوما بطينتها الدهر

وأيامه تعزى إليها وتنسب

ومالك عن ذات القسي النواضح ... وناصحة تعزى قديما لناصح

وذي أثر باق على الدهر واضح ... يُخَبّرُ عن عهد هنالك صالح

ويعمر ذكر الذاهبين ويخرب

تلاقى عليها فيض نهر وجدول ... تصعد من سفل وأقبل من علِ

وهذي جَنُوبِيّ وذلك شمألي ... وما اتفقا إلا على خير منزل

وإلا فإنّ الفضل فيه مجرب

<<  <  ج: ص:  >  >>