سبق لنا في كلام المؤلف أنه إذا مات الراكب ولم يُخَلِّف بدلًا فإنها تنفسخ، والراكب أحد المتعاقِدَيْنِ، فهل نقول: إن في كلامه تناقضًا، أو نقول: إنه مشى فيما سبق على قول، وفي الثاني على قول آخر؟ مشى صاحب الإنصاف على هذا، وقال: إن صاحب المقنع رحمه الله مشى في أول كلامه على قول، وفي الثاني على قول آخر، ولكن عندي أن الجمع بينهما هو أنه في الأول عُيِّن الراكب، قال: أنا أستأجر البعير إلى مكة، ثم مات، فهنا يكون تعيين المستأجر كتعيين المعقود عليه، وأما هنا فلم يُعيَّن، وحينئذ لا تنفسخ الإجارة بموت المتعاقِدَيْنِ أو أحدهما.
سبق لنا أيضًا أن الإجارة -إجارة الوقف- سبق أن مُؤْجِر الوقف إذا مات فإن الإجارة تنفسخ، إذا كان المؤجِر الموقوف عليه بأصل الاستحقاق، وسبق لنا الخلاف في هذه المسألة، وأن عمل الناس على أن إجارة الوقف لا تنفسخ.
قال:(ولا بضياع نفقة المستأجر ونحوه)، ضياع نفقة المستأجر: إنسان مثلًا استأجر مني دكَّانًا من أجل أن يبيع فيه أموالًا، فاحترقت الأموال، هل نقول: إن الإجارة تنفسخ؟ المؤلف يقول: لا، ما تنفسخ الإجارة، ويُلزَم هذا الذي احترق ماله بدفع أيش؟ الأجرة؛ لأنه بإمكانه إذا لم ينتفع هو بالدكان أن يؤجره، وربما يكون الأسعار ارتفعت بعد، فلهذا لا تنفسخ باحتراق متاع مستأجِر الدكان.
واختار شيخ الإسلام رحمه الله أنها تنفسخ؛ لأن هذا عذر لا حيلة فيه، وعرض الدكان للتأجير قد يؤجَّر وقد لا يؤجَّر، وقاسَه رحمه الله على وضع الجوائح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إِذَا بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ». (٢)
وقال: هذا الرجل الذي احترق متاعه لم يقبض المنفعة؛ لأن المنفعة -كما تعلمون- في الإجارة تأتي أيش؟ لا إله إلا الله! المنفعة في الإجارة؟