فالصواب أن ما فضل عن حاجة المسجد يجب أن يُصرَف في مسجد آخر حتى لو فُرِض أن المسجد مسجد الجامع، يجب أن يُصرف في مسجد جامع، إن تيسر وإلا ففي مسجد بقية الصلوات، وإنما قلنا: مسجد جامع؛ لأن المسجد الجامع أكثر أجرًا وثوابًا؛ حيث إنه تُصلَّى فيه الجمعة، وبقية المساجد لا تصلى فيها الجمعة، ثم إنه في صلاة الجمعة يكون أكثر عددًا من المساجد الأخرى.
والخلاصة: أنه متى جاز بيع الوقف فإنه يجب أن يصرف إلى أقرب مقصود الواقف بحيث يساوي الوَقْف الأول أو يقاربه حسب الإمكان.
لو أن الناس مثلًا اختاروا أن يُحوِّلوا المسجد المبني من لبن الطين إلى مسجد مُسلَّح هل لهم أن ينقضوا الأول أم لا؟ هذا ينبني على ما ذكرنا، هل تعطلت منافع مسجد الطين؟ لم تتعطل، لكن يُنقل إلى ما هو أفضل وأحسن على رأي شيخ الإسلام رحمه الله، لا بأس، ويكون أجر المسجد الثاني لباني المسجد الأول؛ لأنه لا يمكن أن يُبطِّل أجر الموقف الأول مع إمكان استمرار أجره، فيكون لباني الأول في مدة يُقدَّر فيها بقاء المسجد الأول، أما ما زاد عليها فأجرها لصاحب المسجد الثاني.
[باب الهبة والعطية]
ثم قال المؤلف رحمه الله:(باب الهبة والعطية)
الهبة من وَهَب الشيء إذا أعطاه، واعلم أن خروج المال بالتبرع يكون هِبة، ويكون هدية، ويكون صدقة. فما قُصِد به ثواب الآخرة بذاته فهو صدقة، وما قُصِد به التودد فهو هدية، وما قصد به نفع الْمُعطَى فهو هبة. هذا هو الفرق، وكلها تتفق في أنها تبرع محض لا يطلب الباذل عليها شيئًا.
الهبة والعطية، العطية معطوفة على الهبة من باب عطف الخاص على العام؛ لأن العطية هي التبرع بالمال في مرض الموت المخُوف؛ فهي أخص من الهبة، والهبة أن يتبرع بالمال في أي وقت.