ولكن لو قيل بأنه يجب النظر إلى القرائن أولًا، فإذا لم يكن قرينة فالقول ما ذهبوا إليه، أي: ما ذهب إليه الفقهاء -رحمهم الله-.
أما مع القرينة فلا ينبغي أن يُقال: إن القول قول المالك، أو قول مَن هي بيده، بل يُرجَع إلى ما تقتضيه القرينة، وهذا هو الأقرب للصواب؛ لأن قرائن الأحوال شواهد بمنزلة البينة، فلو أن شخصًا أعارَ رجلًا أمينًا صدوقًا حافظًا شيئًا، ثم جاء يطلبه فقال المستعير: قد رددته عليك، وقال الْمُعِير: لم ترده عليّ، والْمُعِير معروف بالنسيان، وأنه كثيرًا ما ينسى، ولذلك شواهد، فهنا لا يسوغ أن نقول: إن القول قول مَن؟
الطلبة: المعير.
الشيخ: قول المعير المالك؛ لأن هذا الذي ادَّعى الرد ثقة صدوق حافظ، فيكون القول قوله، لكن لا بد من اليمين، والقرائن تعمل عملها.
أرأيتم الحاكم الذي حكم بين يوسف وامرأة العزيز، ماذا قال حينما دافع عن نفسه؟ قال:{هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي}[يوسف: ٢٦] يقول يوسف، وهي ادَّعت أنه أراد بها سوءًا، قال:{هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي}، الحاكم حكم بالقرينة، لم يحكم بالبراءة للمرأة ولا ليوسف، القرينة، قال: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٢٦) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [يوسف: ٢٦، ٢٧]، لماذا؟
لأنه إذا كان من دُبُر فمعناه أن الرجل هرب منها ولحقته فأمسكت بقميصه، وإذا كان من قُبُل فالمرأة هي المدافِعة عن نفسها حتى مزَّقت القميص، فهذه قرينة.
كذلك القَسَامة في القتل يُحْكَم فيها بالقرينة، ويُهدَر الأصل.
القسامة: إذا ادَّعى جماعة على قبيلة أنهم قتلوا صاحبهم، وكان بينهم عداوات، وأولياء القتيل ليس عندهم بينة، لكن حلفوا أن فلانًا من هذه القبيلة هو الذي قتل قتيلهم، ويش الأصل؟