(أو) ينوي (بـ (ما) الذي)، يعني يجعل (ما) معناها (الذي) فيقول: ما له عندي شيء، بمعنى: الذي له عندي شيء، هل يكون صادقًا بهذه النية أو لا يكون؟ صادقًا بهذه النية، سواء نوى مكانًا آخر أو نوى بـ (ما الذي) فهو صادق.
في هذه الحال، هل يجب أن يتأول أو لا؟ يجب أن يتأول؛ لأن تأوله من باب قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}[النساء: ٥٨]، وهذا من حِفظ الأمانة، فنقول: التأويل هنا جائز، بل واجب.
هذا الظالم إذا قال: والله ما له عندي شيء، ونوى مكانًا غير مكانه، أو نوى بـ (ما الذي)، يقتنع أو لا يقتنع؟ يقتنع؛ لأن ظاهر اللفظ أنه نفى أن يكون عنده شيء، فيقتنع وينصرف.
إذا كان ظالمًا كرجل سرق مال زيد، فادعى زيد أن فلانًا سرقه، وتحاكما إلى القاضي، وقال: له عندي سرقة، فقال هذا السارق: والله ما له عندي سرقة، ونوى: الذي له عندي سرقة، ينفعه ظاهرًا أو لا ينفعه؟ ظاهرًا ينفعه، وسيحكم القاضي ببراءته، لكن باطنًا لا ينفعه، لماذا؟ لأنه كان ظالمًا، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«يَمِينُكَ عَلَى مَا يُصَدِّقُكَ بِهِ صَاحِبُكَ»(٢)، ما هو على نيتك أنت، على ما يصدقك به، فلا ينفعه التأويل.
إذن ضربنا مثلين الآن للمظلوم وللظالم. بقي عندنا ما ليس ظالمًا ولا مظلومًا، وهذا يقع كثيرًا، مثال ذلك: رجل يتحدث إلى قوم حديث مجالس فيقول: والله ما طعمتُ البارحة شيئًا، ما طعمتُ شيئًا، هل عندك من فطور، ( ... ) البارحة؟ قال: والله ما تعشيت، ويريد ما تعشى قبل البارحة مثلًا أو ما تعشيتُ لليلة المقبلة. هذا جائز، لكن لا شك أن تركه أولى، بل إنه لو قيل بالتحريم كما قال شيخ الإسلام لكان له وجه؛ لأن صاحبك إذا عثر بعد ذلك على خلاف ما قلت صار لا يصدقك، وصار يعتقد أن كل شيء تتكلم به فهو مؤول، وهذا وصمة عار على الإنسان.