للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: {مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} يشمل القليل والكثير، فإذا عُفِيَ عن القصاص ولو جزء من مئة أو ألف جزء فإنه يسقط القصاص؛ ولهذا قال: {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ١٧٨]، والله أعلم.

***

( ... ) الغائب وبلوغ الصغير وإفاقة المجنون.

الثالث: (وأن يُؤْمَن تعدي ضرره لغير الجاني) (أن يُؤْمَن تعدي ضرره) أي: ضرر الاستيفاء لغير الجاني، فإن كان لا يُؤْمَن فإنه لا قصاص.

مثال ذلك: امرأة حامل وجب عليها القصاص، فلا يُقْتَص منها؛ لأن الاقتصاص منها يؤدي إلى قتل ما في بطنها، وما في بطنها هل حصل منه جناية؟ لا، إذن فهو معصوم، وقد قال الله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤].

ويدل لذلك قصة المرأة التي زنت فحملت من الزنا، فأتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تنتظر حتى تضع، ثم وضعت الطفل فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تبقى حتى تفطمه، ففطمت الصبي وجاءت إليه وفي يده كسرة خبزٍ يأكلها؛ ليتبين أن الطفل قد فطم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمها (١٢). القصاص مثله وهو في غاية القياس، من أوضح القياس مثل هذا، فإنه لا شك أننا لو جنينا على الحمل لكنا قتلنا نفسًا بغير حق.

وقوله: (حتى تضع ولدها وتفطمه إن لم يُوجَد من يرضعه) فإن وُجِدَ من يرضعه وطالب أولياء المقتول بالقصاص اقْتُص منها؛ لأنه في هذه الحال يُؤْمن من التعدي، ولكن مع ذلك نقول: الأفضل أن تبقى حتى تفطمه؛ لأن لبن غير الأم لا يساوي لبن الأم، لا يساويه.

الحاصل الآن أن الشرط الثالث: (أن يُؤمن تعدي ضرره لغير الجاني)، فإن لم يُؤمن فما الحكم؟ لا يثبت القصاص ولَّا لا يُسْتَوفى القصاص؟ لا يُسْتَوفى القصاص حتى يزول الخطر.

إذا أضفنا هذه الشروط الثالثة إلى الشروط الخمسة السابقة صار القصاص لا يتم إلا بثمانية شروط؛ ثلاثة لجواز الاستيفاء، وخمسة لثبوت القصاص.

<<  <  ج: ص:  >  >>