وفي الحقيقة أننا لو اعتبرنا هذا القول لكان فيه من المفاسد شيء كثير؛ لأن كثيرًا من الناس يفعل الشيء ثم يُقِرّ به ويُثْبِت هذا الأمر ثم يُنْكِر، فالصواب أنه لا ينتفي عنه الحد برجوعه.
والاستدلال بقصة ماعز ليس بدليل؛ لأن ماعزًا لم يرجع، لكنه حاول أن يتوب، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام:«هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ يَتُوبُ فَيَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِ»(٣).
أما رجل يقول: إنه رجع، أبدًا ما حصل مني هذا الشيء، بينهما فرق، بين اللي يقول: ما حصل مني هذا الشيء، وبين اللي يقول: حصل مني ولكن أنا أريد أن أحاول التوبة، ولَّا لا؟ الفرق بينهما أن الأول نفى، والثاني أَثْبَتَ، ولكنه وعد بإزالة هذا الشيء عن نفسه بالتوبة.
فقصة ماعز ليست من باب الرجوع، بل هي في الحقيقة من باب الإقرار، ولكن الرسول يقول:«هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ يَتُوبُ فَيَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِ»، والمنكِر للشيء بعد إقراره بوقوعه هل هو تائب منه؟ ليس بتائب بالحقيقة، بل إنه يريد أن ينكر هذا الشيء، والتائب مُعْتَرِف بالذنب نادم عليه عازم على ألَّا يعود.
وكذلك أيضًا في موضوع السرقة وغيرها، لكن السرقة لا يُقْبَل الرجوع بالنسبة للمال، هو عند من يقول: إنه يجوز الرجوع، لا يُقْبَل رجوعه بالنسبة للمال، ولكن يُقْبَل رجوعه بالنسبة للحد، فإذا جاء السارق وقال: نعم، أنا سرقت هذا من هذا المكان، وفتحت الباب، ودخلت ووجدت الصندوق، وفتحت الصندوق أو كسرته ثم سرقت، وسرقت كذا وكذا من الدراهم، وثبت ذلك عند القاضي وقال: اقطعوا يده، حَكَمَ بذلك، فقال: الآن رجعت عن إقراري، أبدًا ما سرقت ولا زَيَّنْت شيئًا.
على رأي الفقهاء رحمهم الله يقولون: إن الإقرار يرتفع برجوعه، إلا بالنسبة لحق الآدمي وهو المال، فإنه لا يُقْبَل رجوعه، وهذا لا شك أنه فيه من التلاعب ما فيه، والصواب عدم ذلك، ويأتي عاد موضوع السرقة إن شاء الله.