على كل حال نفرض -بل هو الواقع- أن الحكومة تكون بين خصمين، ونعني بالخصم ما يشمل الواحد والجماعة؛ لأن الخصم يُطلق على الواحد والجماعة {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ}[ص: ٢١] خصْم تسوروا جمع، {إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ}[ص: ٢٢]، فدل هذا على أن كلمة خصم تكون للواحد؛ أي للواحد والاثنين والثلاثة فأكثر.
إذا حضر إليه خصمان فإنه يسأل أيهما المدعِي، يقول: أيكما المدعي؟ فإن سكت ولم يسأل القاضي حتى بدأ أحدهما فله ذلك، ولكن لا يبقى ساكتًا، وهؤلاء ساكتون، إذا كان الخصمان كل منهما ينتظر سؤال القاضي فليسأل، أما إذا كان قد عرف ذلك فلا حاجة إلى أن يسأل؛ لأنه قد يكون بعض القضاة له هيبة في صدور الناس، إذا قال: ادخلوا مثلًا، ودخلوا يسكتون ما يتكلمون حتى يسأل، فإذا كان هذا حال القاضي فإنه يجب أن يسأل.
وإذا كان القاضي عاديًّا فإنه لا بأس أن يسكت حتى يتكلم أحدهما فيقول: أيكما المدعي؟ فإذا ادعى فأقر له الخصم حكم عليه إذا ادعى، قال: أنا أدعي على فلان بكذا، فأقر له الخصم، قال: نعم، صحيح أن ما ادعاه عليَّ فإنه عليَّ وأنا مستعد بتسليمه، يحكم له عليه، لكن هذه الصورة تقع ولَّا ما تقع؟
طالب: تقع.
الشيخ: هي في الحقيقة قد نقول: إنها لا تقع؛ لأنه لو كان يريد أن يقر له ما أكله فقد نقول: إنه حدث له أن يتقي الله سبحانه وتعالى عندما حضر عند القاضي قال: أنا مثلًا الآن بين يدي حكم أستطيع أن أتخلص منه بالإنكار، ولكني سأكون بين يدي حكَم لا أستطيع أن أتخلص منه بالإنكار، فحينئذٍ يتقي الله سبحانه وتعالى وهو ( ... ).
مثل قصة المرأة التي كان لها ابن عم يُريدها على نفسها، وتأبى عليه حتى ألمت بها سَنَة فوافقت، فلما جلس منها مجلس الرجل من امرأته قالت: اتقِ الله ولا تفُضَّ الخاتم إلا بحقه، فقام عنها وهي أحب الناس إليه.