فالحاصل أن تكرار الفاتحة إن كان على وجه التعبد به فلا شك في أن الأمر كما قال المؤلف مكروه؛ لأن ذلك من البدع، وإن كان لاستدراك أمر مشروع فاته فهذا لا بأس به، وضربنا لكم مثلًا بمن نسي الجهر بها في صلاة الليل، أو بمن لم يستحضر حال قراءته إياها، لكننا استدركنا على الأخير ما لم يخش الوسواس، فإن خشيه فلا يعيده.
قال:(لا جمع سور في فرض كنفل). يعني لا يكره جمع السور في الفرض، يعني أن يقرأ سورتين فأكثر، وهذا باعتبار السورة مع الفاتحة لا إشكال فيه، فإن الإنسان إذا قرأ الفاتحة يسن أن يقرأ معها سورة كما سبق، لكن مراد المؤلف بجمع السور ما عدا الفاتحة؛ لأن مسألة الفاتحة أمرها معلوم، فهذه المسألة يقول: لا يُكره جمع السور في الفرض كما لا يُكره في النفل، ودليل ذلك حديث حذيفةَ بن اليمان رضي الله عنه أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم سورةَ البقرة والنساء وآل عمران (٩)، وهذا جمع بين السور في النفل، وما جاز في النفل جاز في الفرض إلا بدليل، هذه القاعدة، وما وجب في الفرض وجب في النفل إلا بدليل.
والدليل على أن هذه هي القاعدة، أي أن ما جاز في النفل جاز في الفرض، أن الصحابة لما حكوا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته في السفر، وأنه يوتر عليها، قالوا: غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة؛ لأنهم لولا أن الفرض يحذى به حذو النفل ما كان للاستثناء فائدة، فلما قالوا: غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة، علمنا أنهم فهموا بأن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض، وإلا ما احتيج إلى استثناء.
وعلى هذا فنقول: إنه لا بأس أن يجمع الإنسان في الفرض بين سورتين فأكثر، ودليله حديث حذيفة. ووجه الدلالة منه أن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا بدليل، طيب العكس؛ يعني تفريق السورة في الركعتين هل يجوز أو لا؟