للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعُلِم من كلامه أنها ليست بواجبة، وأن الإنسان لو صلَّى إلى غير سترة فإنه لا يأثم، وهذا هو الذي عليه جمهور أهل العلم؛ أن السترة ليست بواجبة؛ لأنها من مُكمِّلات الصلاة، ولا يتوقف عليها صحة الصلاة، وليست داخل الصلاة حتى نقول: إن فقدها مفسد؛ لأنها ليست من ماهية الصلاة، ولكنها شيء يراد به كمال الصلاة، فلم تكن واجبة، وهذه هي القرينة التي أخرجت الأمر بها من الوجوب إلى الندب.

قالوا: وظاهر حديث أبي سعيد الخدري: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ؛ فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ؛ فَلْيَدْفَعْهُ» (٢١)، فإن قوله: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ»، يدل على أن المصلي قد يصلي إلى شيء يستره، وقد لا يصلي؛ لأن مثل هذه الصيغة ما تدل على أن كل الناس يصلون، بل تدل على أن بعضًا يصلي وبعضًا لا يصلي.

واستدلوا أيضًا بحديث ابن عباس: أنَّه أتى في مِنى والنبيُّ صلّى الله عليه وسلّم يصلِّي فيها بأصحابه إلى غير جدار، واستدلوا أيضًا بحديث ابن عباس في السنن: رأيت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يصلي في فضاء ليس بين يديه شيء (٢٢)، وكلمة (شيء) هذه عامة تشمل كل شيء، وهذا الحديث فيه مقال قريب، لكن يؤيده حديث أبي سعيد، وحديث ابن عباس يصلي إلى غير جدار (٢٣).

ولكن الذين قالوا بالوجوب أجابوا عن حديث ابن عباس: يُصلِّي في فضاء إلى غير شيء؛ بأنه ضعيف. وعن حديثه: إلى غير جدار؛ بأن نفي الجدار لا يستلزم نفي غيره، وحديث أبي سعيد يدل على أن الإنسان قد يُصلي إلى سترة وإلى غير سترة، لكن دلت الأدلة على أنه لا بد أن يصلي إلى سترة، ولكن أدلة القائلين بأن السترة سنة -وهم الجمهور- أقوى، ولو لم يكن منها إلا أن الأصل براءة الذمة، فلا تُشغل الذمة بواجب، ولا يُحكم بالعقاب إلا بدليل واضح.

<<  <  ج: ص:  >  >>