أيضًا قال المؤلف:(بعد الركوع) فهل هذا المكان هو المتعين أو يجوز أن يقنت قبل ذلك؟ ظاهر كلام المؤلف أنه لا يشرع القنوت قبل الركوع، ولكن المشهور من المذهب أنه يجوز القنوت قبل الركوع وبعد القراءة؛ فإذا انتهى من قراءته قنت، ثم ركع؛ لأنه ورد ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام (٢).
وعليه: فيكون موضع القنوت من السنن المتنوعة؛ التي يفعلها أحيانًا هكذا، وأحيانًا هكذا.
وقول المؤلف:(اللهم اهدني فيمن هديت) سبقت الإشارة إليه، وقلنا: إنه يقول هذا إذا كان منفردًا، أما الإمام فيقول: اللهم اهدنا؛ لأنه يدعو لنفسه ولغيره.
وسبق لنا أن قوله:(اللهم اهدني فيمن هديت) يعني: في جملتهم، وهذا نوع من التوسل، كأنه يقول: كما هديت غيري فاهدني فيهم.
(وعافني فيمن عافيت) كذلك نقول فيها ما قلنا في (اللهم اهدني فيمن هديت).
وسبق لنا أن المعافاة تكون من أمراض القلوب وأمراض الأبدان، وقال بعضهم: المعافاة أن يعافيك الله من الناس ويعافي الناس منك، وهذا معنى طريف أن يعافيك الله من الناس ويعافي الناس منك، يعافيك الله من الناس فيكفّ ألسنتهم عن الخوض فيك، ويعافي الناس منك يكف لسانك عن الخوض فيهم، وهذا لا شك أنه من العافية، إذا عافاك الله من الناس وعافى الناس منك فلا شك أنه من العافية، لكنه يعود على ما شرحنا بالأمس، عافية البدن أو عافية القلب؟ عافية القلب هذا في معافاة الناس منك، معافاة من الناس أقرب ما لها أن تكون للبدن.
قال:(وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت) هل هي من الولاية أو من الوِلَى؛ يعني: أن يليك، أو منهما جميعًا؟
منهما جميعًا؛ يعني: تولني فيمن توليت اجعلني قريبًا منك، كما يقال: ولي فلان فلانًا، وقال النبي عليه الصلاة والسلام:«لِيَلِيَنِي مِنْكُمْ أَولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى»(٣)؛ يعني: من الولاية، وهي القرب.