واستدل بعض الناس بهذا الحديث على جواز إقامة الجماعة في الرَّحْل دون المسجد؛ يعني أنه لا يجب على الإنسان أن يُصلِّي مع الجماعة في المسجد، بل يجوز أن يُصلِّي جماعة في رَحْله، وعلى هذا؛ فإذا كنا جماعة في بيت، وأذَّن المؤذن، فإنه يجوز لنا أن نصلي في بيتنا، ولا نذهب إلى المسجد؛ لقولهما: صلَّينا في رحالنا فقال: «إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا، ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ»(٢). ولم يقل: لا تصليا في رحالكما، بل صلِّيا في الجماعة في المسجد، وهذا لا شك أنه فيه شيء من الشُّبهة، وهنا فيه فعل الصحابيين، وفيه إقرار؛ أما مجرد فعلهما فليس فيه دليل بلا شك؛ لأنه يحتمل أنهما لم يعلما بوجوب الصلاة في المسجد، ويحتمل أنهما ظنَّا أن الجماعة قد أُقيمت، وأنهما لا يدركان جماعة المسجد فصلَّيَا في رحالهما، لكن اللي فيه الإشكال قوله:«إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا»، ولم يقل: لا تصليا في رحالكما، ولا شك أن هذا فيه شُبهة، وفيه شيء من المستند لمن قال بأنه لا تجب الصلاة في المسجد، ولكن هناك أدلة أخرى أصرح من هذا، والقاعدة الشرعية عندنا: أنه إذا وجد دليل مشتبِه ودليل محكم لا اشتباه فيه، فما الواجب؟ حمل المشتبه على المحكم.
فيه أحاديث تدل على أنه لا بد من الحضور في المسجد، مثل حديث أبي هريرة، أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال:«ثُمَّ أَنْطَلِق إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ؛ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ»(٣). «إِلَى قَوْمٍ»، مع أن القوم يمكن أن يصلوا جماعة في مكانهم، فجعل تخلفهم مُوجبًا لإحراقهم بالنار، الذي هم به عليه الصلاة والسلام.
ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما استأذنه الرجل الأعمى أن يصلي في بيته أذِن له؛ ثم دعاه، فقال:«هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ؟ ». قال: نعم، قال:«فَأَجِبْ». (٤) ولم يقل: انظر من يصلي معك.