أما في وقتنا الحاضر فإن الوحل لا يحصل به تأذٍّ؛ لأن الأسواق مسفلتة، وليس فيها طين، وغاية ما هنالك أن تجد في بعض المواضع المنخفِضة مطرًا متجمعًا، لكن هذا لا يضر، لا يتأذى به الإنسان لا في ثيابه، ولا في قدميه، فالعذر في الوقت الحاضر فيما يتعلق بالسيل إنما يكون بماذا؟
الطلبة: بالمطر.
الشيخ: بنزول المطر، فإذا كانت السماء صاحية وانقشع الغيم فلا عذر في الوحل، لكن في بعض القرى التي لم تكن سُفلتت العذر موجود، ولهذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام ينادي مناديه في الليلة الباردة والمطيرة:«أَنْ صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ»(٢٥).
وفُهم من قوله:(أو أذًى بمطر) أنه لو لم يتأذَّ به بأن كان مطرًا خفيفًا؛ فإنه لا عُذر له، بل يجب عليه الحضور، وما أصابه من نوع من المشقة فإنه يُثاب عليه ويؤجر عليه.
قال:(وبريح باردة شديدة في ليلة مظلمة) قال: (بريح) انتبه للشروط (ريح باردة) هذا وصف، (شديدة) وصفان، (في ليلة مظلمة).
أما الأول: وهو كون الريح باردةً، فلا بد منه؛ لأن الريح الساخنة ليس فيها أذًى ولا مشقة، والرياح الباردة بالنسبة لنا في هذه المنطقة من الكرة الأرضية، الرياح الباردة هي التي تأتي من الشمال؛ لأننا نحن الآن إلى القطب الشمالي أقرب منا إلى القطب الجنوبي، وفي الجهة الجنوبية من الأرض تكون الرياح الباردة هي التي تأتي من الجنوب، بالعكس، عكس المنطقة الشمالية من الكرة الأرضية، فإذا كانت الرياح شمالية وشديدة فهي عذر بلا شك؛ لأنها تؤلم أشد من ألم المطر، لكن القيد الثالث قال:(في ليلة مظلمة)، هذا القيد ليس عليه دليل؛ لأن الحديث الذي استدلوا به حديث ابن عمر: فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوِ الْمَطِيرَةِ (٢٦)، وليس فيه اشتراط أن تكون الليلة مظلمة؛ ولأنه لا أثر للظلمة أو النور في هذا الأمر، هل الظلمة تزيد من برودة الجو؟