الوجه الأول: أن جرها على سبيل المجاورة، بمعنى أن الشيء يتبع ما جاوره لفظًا، لا حكمًا، والمجاور لها هي {رُؤُوسِكُمْ} مجرورة، فتجر؛ لأن جارها مجرور، والجار إذا شبع ما يبقى جاره جائعًا، أليس كذلك؟ إذا جر ما يدع جاره ما يجر، يجرروه معه علشان يعينه في هذا، قالوا: ومنه قول العرب: هذا جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ. فكلمة (خرِبٍ) صفة لجُحر ولّا لضب؟
طلبة: لجحر.
الشيخ: وجحر مرفوعة ولّا مكسورة: هذا جحر ضب خرب. فهمت؟ هي صفة لجحر، وكان مقتضى القواعد أن يقال: هذا جحرُ ضبٍّ خربٌ؛ لأنه صفة لجحر، وصفة المرفوع مرفوعة، لكن العرب نطقت به: خربٍ، كيف؟ قالوا: على سبيل المجاورة؛ لأنه لما جاور المجرور جر مثله، فهذه لما جاورت المجرور عطفت عليه مجرورة تبعًا له في اللفظ مع مخالفتها له في الحكم، هذا وجه.
الوجه الثاني: أن الله سبحانه وتعالى قال: {وأَرْجُلَكُمْ} بالنصب، فدل ذلك على أنه يجب أن تغسل الرجل، بمقتضى هذه القراءة {وَأَرْجُلِكُمْ} بالجر معناه اجعلوا غسلكم إياها كالمسح، لا يكون غسلًا تتعبون به أنفسكم؛ لأن الإنسان فيما جرت به العادة قد يكثر من غسل الرجل ودلكها، حيث إنها التي تباشر الأذى، فكان مقتضى العادة أن يزيد في غسلها، فقال الله تعالى:{وَأَرْجُلِكُمْ} حتى إذا اجتمع غسل ومسح لا يبالغ في الغسل ليقابل ذلك ما تقتضيه العادة من المبالغة في الغسل، فيقصد بالجر الذي يظهر أن المراد به المسح كسر ما يعتاده الناس من المبالغة في غسل الرجل؛ لأنها التي تلاقي الأذى، هذا وجه آخر.
والوجه الثالث يقولون: إن القراءتين تنزل كل واحدة منهما على حال من أحوال الرجل، وتبين ذلك السنة فالرجل لها حالان: حال تكون فيها مكشوفةً، وحال تكون فيها مستورةً بالخف، فإذا كانت مكشوفة فالواجب غسلها، وإذا كانت مستورةً بالخف فالواجب مسحها، فتتنزل القراءتان على حالي الرجل، وتبين ذلك السنة.