من العلماء من قال: ترك التداوي أفضل، ولا ينبغي أن يتداوى الإنسان، واستدلوا لذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما مرض ولدوه، أمر بأن يلد جميع من كان حاضرًا إلا العباس بن عبد المطلب، قالوا: وهذا دليل على أنه كره ما فعلوه.
واللدود: ما يُلد به المريض، وهو نوع من الدواء. واستدلوا أيضًا بأن أبا بكر رضي الله عنه لما مرض، وقيل له: ألا ندعو لك الطبيب؟ قال: إن الطبيب قد رآني، فقال: إني أفعل ما أريد (٢٤)، وأبو بكر هو خير الأمة بعد نبيها وهو قدوة وإمام.
ومن العلماء من قال: بل يسن التداوي لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، ولأنه من الأسباب النافعة، ولأن الإنسان ولا سيما المؤمن المغتنم للأوقات كل ساعة تمر عليه تنفعه، ولأن المريض يكون ضيق النفس، لا يقوم بما ينبغي أن يقوم به من الطاعات، وإذا عافاه الله انشرح صدره، وانبسطت نفسه، وقام بما ينبغي أن يقوم به من العبادات، فيكون الدواء إذن مرادًا؟
طالب: لغيره.
الشيخ: لغيره، فيسن.
وفصل بعض العلماء، فقال: إذا كان الدواء مما علم أو غلب على الظن نفعه بحسب التجارب، فهو أفضل، وإن كان من باب المخاطرة فتركه أفضل؛ لأنه إذا كان من باب المخاطرة فقد يحدث فيه رد فعل، فيكون الإنسان هو الذي تسبب لنفسه بما يضره، ولا سيما الأدوية الحاضرة العقاقير التي قد تفعل فعلًا مباشرًا شديدًا على الإنسان، بغلطة وصفة طبيب.
ومن العلماء من قال: إنه يجب التداوي إذا ظن نفعه، والصحيح أنه يجب إذا كان في تركه هلاك، مثل: سرطان موضعي، السرطان الموضعي -بإذن الله- إذا قطع الموضع الذي فيه السرطان فإنه ينجو منه، لكن إذا ترك انتشر في البدن وكانت النتيجة هي الهلاك، فهذا يكون دواءً معلوم النفع؛ لأنه موضعي، يُقطع ويَزول، وقد خرب الخضر السفينة بخرقها لإنجاء جميعها، لتنجو.