أولًا: الحزن على الأموات، فكم من ميت في هذه المقبرة قد حزنت عليه، إما لقرابة، أو صداقة، أو نفع، أو غير ذلك، ولا شك أن الإنسان إذا أُصِيبَ بِمُصاب وتحمَّل فله أيش؟ فله أجر، إذا أصيب بمصاب به وتحمل فله أجر.
ثانيًا: أجر الزيارة، (لا تحرمنا أجرهم) أي: أجر الزيارة لهم؛ لأن زيارتنا لهم سنة أمر بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفعلها بنفسه، فنحن نفعلها امتثالًا واقتداء؛ امتثالًا لأمره، واقتداء بفعله عليه الصلاة والسلام.
(ولا تَفْتِنَّا بعدهم)، هذه جملة عظيمة، تسأل الله ألَّا يفتنك بعدهم؛ لأن الإنسان قد يُفْتَتَن بعد موت أقاربه وأصحابه وأصدقائه ومشائخه، وغير ذلك، قد يفارقون هذا الرجل مستقيمًا ثم يُفْتَن، وبالعكس.
فأنت تسأل الله ألَّا يفتنك بعدهم، يفتنك بشبهات تعرض لك، أو بإيرادات سيئة، وهي فتنة الشهوات تعرض لك، والإنسان ما دامت روحه في جسده فهو مُعَرَّض للفتنة، نعوذ بالله من الفتن.
يُذْكَر أن الإمام أحمد رحمه الله في سياق الموت يُغْمَى عليه ويُسْمَع يقول: بعد، بعد، فلما أفاق قيل له: يا أبا عبد الله، ما بعد بعد؟ قال: رأيت الشيطان أمامي يَعَضُّ على يديه يقول: فُتَّنِي يا أحمد، يعني: عَجَزْتُ أن أدركك وأغويك، فأقول: بعد بعد، يعني: ما دامت الروح في الجسد فالإنسان على خطر.
ويدل لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُ النَّارَ»(١٦).