قال المؤلف:(أو كثيرًا نجسًا غيرَهُما) يعني: أو كان كثيرًا نجسًا غير البول والغائط، فقيَّد المؤلف غير البول والغائط بقيدين؛ أن يكون كثيرًا، وأن يكون نجسًا.
لماذا لم يقيِّد البولَ والغائط بالكثير النَّجس؟ أما النجس فلا حاجة للتقييد؛ لأنه نجس؛ البول والغائط، أليس كذلك؟
فقول المؤلف:(أو كثيرًا) أولًا: يجب أن نعرف ما هو الكثير؟ أطلق المؤلف (كثيرًا)، والقاعدة المعروفة: أن ما أتى ولم يُحدَّدْ بالشَّرع فمرجعه؟
طلبة: إلى العرف.
الشيخ: إلى العُرف.
وَكُلُّ مَا أَتَى وَلَمْ يُحَدَّدِ
بِالشَّرْعِ كَالحِْرْزِ فَبِالْعُرْفِ احْدُدِ
كل شيء جاء مطلقًا ولم يقيده الشارع فارجع فيه إلى العرف، فنقول: الكثير هنا بحسب العرف، عرف من؟ عُرف النَّاس، إذا قالوا: هذا كثيرٌ صار كثيرًا، وإن قالوا: هذا يسير وبسيط صار بسيطًا.
وقيل: إن المعتبر عند كلِّ أحد بحسبه؛ كلُّ إنسان إذا رأى أن هذا كثيرٌ فإنه يكون كثيرًا، وإن رأى أنه قليلٌ فإنه يكون قليلًا.
لكن هذا القول فيه شيء من النظر، ما الذي فيه؟ أن من الناس من يكون عنده وسواس؛ النقطة الواحدة القليلة تكون عنده كثيرة، ومن الناس من عنده تهاون؛ لو يخرج منه لتر من الدم قال: هذا يسير بسيط؛ لأن دم البعير إذا ذبحت أكثر منه، فلا يرى شيئًا قليلًا أبدًا.
ولكن القول الصحيح: الثاني؛ أن المعتبر العرف، وهو ما عده أوساط النَّاس الذين ليسوا متطرفين لا من هنا ولا من هنا، ما عدوه كثيرًا فهو كثير، وما عدوه قليلًا فهو قليل.
ثانيًا: قوله: (نجسًا غيرَهُما) نجس احترازًا من الطَّاهر، إذا خرج من بقية البدن شيء طاهر ولو كَثُرَ فإنه لا ينقض الوضوء، مثل أيش؟