منهم من يرى أن النَّوم ناقضٌ مطلقًا يسيرُه وقليله، وعلى أيِّ صفة كان النائم؛ يقول: لأن هذا حَدَث، النوم حدث وليس مظنة الحدث، والحدث لا يُفرَّقُ بين قليله وكثيره، كالبول.
ومنهم من يقول: إن النَّوم مظنة الحدث، وأنه لا يعفى عن شيء منه إلا ما استبعد فيه الحدث.
ومنهم من قال: إن النوم مظنَّة الحَدَث، ولا ينقض منه إلا ما كان مظنة الحدث، فالمذهب أن النوم ليس بحدث، ولكنه مظنَّة الحدث، ولا يُعفى عن شيء منه إلا ما كان بعيدًا فيه الحدث؛ ولهذا قال:(إلا يسير نومٍ من قائم وقاعد).
فاستثنى المؤلف رحمه الله اليسير، واستثنى حالًا معينة من أحوال النائم، خرج باليسيرِ الكثيرُ، وخرج بقوله:(من قائم وقاعد) ما عداهما، فإن النوم ينقضه مطلقًا في حقهم؛ في حق ما عدا هاتين الحالين.
ما هو اليسير؟ اليسير يرجع في ذلك إلى العرف، فإذا قالوا: هذا يسير، فهو يسير، فتارة يكون يسيرًا في زمنه، لكن يغفل غفلة كاملة، يمكن يحلم لكن يسير، بحيث ما خرج منه شيء، أو لو خرج لشمه؛ لأنه استيقظ على طول، وتارة يكون يسيرًا في ذاته وماهيته؛ بمعنى أنه لا يغفل كثيرًا في نومه، مثل مثلًا يسمع اللي يتكلمون، ولو مثلًا يكلمه أحد انتبه بأدنى سرعة، ولو حصل منه حدث لأحس به، هذا اليسير.
فالمهم أن اليسير إذا كان من قائم وقاعد فإنه لا يضر، ولكن الصحيح في هذه المسألة ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو أن النوم مظنة الحدث، فإذا نام بحيث لو أحدث لم يحس بنفسه فقد انتقض وضوؤه، وإذا نام بحيث لو انتقض وضوؤه لأحس به، فإن وضوءه باقٍ ولا ينتقض.