وذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا دفعها إلى مَن يظنه أهلًا بعد التحرِّي فَبَانَ غيرَ أهل فإنها تجزئه حتى في غير مسألة الغِنىَ عمومًا، قال: لأنه اتقى الله ما استطاع، ويصعُب أن نقول له: إن زكاتك لم تُقبَل، مع أنه اجتهد، والمجتهد إن أخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران، وهذا القول أقرب إلى الصواب؛ أنه إذا دفعها لمن يظنه أهلًا مع الاجتهاد والتحري فتَبَيَّنَ غيرَ أهل فزكاته مُجْزِئَة؛ والعلة ما سمعتم.
إذا جاءك سائل يسأل، يقول: أعطني من الزكاة، ورأيتَه جَلْدًا قويًّا، فهل تعطيه أم ماذا؟ نقول: عِظْهُ أوَّلًا، انصحه، وقل: إن شئت أعطيتك، ولا حَظَّ فيها لغني ولا لقوي مُكْتَسِب، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في الرجلين اللذين أتيا إليه يسألانه من الصدقة، فرآهما جَلْدَين، فقال:«إِنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا، وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ»(٤).
فإن قال قائل: أحوال الناس اليوم فسدت، حتى لو وعظته بهذا الكلام لم يَتَّعِظْ، فما الجواب؟
الجواب: أن لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أُسوة حسنة، فنعظه بما وعظه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإذا أَصرَّ ونحن لا نعلم خلاف ما يدَّعي فإننا نعطيه، أما إذا أَصرَّ على السؤال ونحن نعلم أنه على خلاف ما يدعيه فإننا لا نعطيه.
ومما يتفرع على هذا الموضوع هل نقول للشخص إذا أعطيناه: هذه زكاة، أو لا نقول؟
فيه تفصيل: إن كان الرجل نعلم أنه أهلٌ للزكاة، وأنه يقبل الزكاة أعطيناه بلا قول؛ لأن قولنا له: إنها زكاة فيه غضاضة عليه، أما إذا كنا لا ندري وفيه احتمال أنه ليس من أهل الزكاة فإننا نخبره؛ لِئَلَّا نقع في مشكلة، وكذلك إذا كان لا يقبل الزكاة؛ لأن بعض الناس عنده عِفَّة، لا يقبل الزكاة وإن كان محتاجًا، فهنا نقول له: هذه زكاة.