وعلى هذا فنقول: من حلق ثلاث شعرات فليس عليه دم، أو أربعًا، أو خمسًا، أو عشرًا، أو عشرين، ولا يسمى هذا حلقًا، لكن هل يحل له ذلك أو لا؟ هذه النقطة، هل يحل أن يحلق شعرة أو شعرتين أو يزيلها بأي مزيل؟ الجواب: لا يحل، انتبهوا؛ لأن لدينا قاعدة: امتثال الأمر لا يتم إلا بفعل جميعه، وامتثال النهي لا يتم إلا بترك جميعه، فإذا نهيت عن شيء فأنت منهي عنه جملة وأجزاء، وإذا أمرت بشيء فأنت مأمور به جملة وأجزاء، انتبه، امتثال المأمور لا يتم إلا بفعل جميعه، وامتثال المحظور لا يتم إلا باجتناب جميعه، وعلى هذا فنقول: إذا حرم حلق جميع الرأس أو ما يماط به الأذى حرم حلق جزء منه، لكن الكلام في الفدية غير الكلام في التحريم.
فإن قال قائل: وهل يمكن أن يكون شيء من محظورات الإحرام محرمًا وليس فيه فدية؟
قلنا: نعم، يمكن، عقد النكاح الخطبة حرام على المحرم، لكن ليس فيهما فدية، القمل على رأي بعض الفقهاء؛ كون الإنسان يزيل القمل عن نفسه وهو محرم يكون حرامًا، وفيه فدية؟ لا، ما فيه فدية.
ولا أدري هل تعرفون القمل أو لا؟ الحمد لله، نحن في الأزمنة الأخيرة لا نعرفه؛ لأن النظافة الكثيرة والثياب دائمًا تكون نظيفة، لكن في الأول تكون القمل في الأبدان، وتتعب الناس أحيانًا؛ تجدها تمشي من فوق الثياب، وهي دويبة صغيرة؛ يعني: منتفخة أقل من الذرة، لكن شأنها قوي؛ تحجم الإنسان حجمًا؛ لأنها تقرصه، ثم تمتص الدم، وتؤذي الإنسان؛ ولهذا جيء بكعب بن عجرة إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام والقمل يتناثر من رأسه على وجهه، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام له:«لَعَلَّكَ أَذَاكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ؟ » قال: نعم، يا رسول الله (٩)، فسماها هوامًّا.