الثاني بلا شك، لا محبة له من حيث كونه حجرًا، ولا للتبرك به أيضًا، كما يصنعه بعض الجهال يمسح يده بالحجر الأسود، ثم يفيضها على بدنه، أو يمسح بالحجر الأسود، ثم يمسح به صبيانه الصغار تبركًا به، فإن هذا من البدع، وهو نوع من الشرك.
ولهذا قبَّل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الحجر الأسود وقال: إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، حجر من الأحجار، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقبِّلك ما قبَّلتك (٢٣)، فأفاد رضي الله عنه بهذا أنه مجرد تعبُّد واتباع للرسول صلى الله عليه وسلم، أنَّا رأينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقبِّله فقبَّلناه، لكننا نعلم أننا نقبِّله تعظيمًا لله عز وجل ومحبة له، وقد قال مجنون ليلى:
أَمُرُّ عَلَى الدِّيَارِ دِيَارِ لَيْلَى
أُقَبِّلُ ذَا الْجِدَارَ وَذَا الْجِدَارَا
وَمَا حُبُّ الدِّيَارِ شَغَفْنَ قَلْبِي
وَلَكِنْ حُبُّ مَنْ سَكَنَ الدِّيَارَا
فهذا المجنون وهو مجنون جنون عشق يمر على ديارها فيأتي إلى بيتها ويقبِّله جدارًا جدارًا، يقول: ما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب مَن سكن الديار.
فالإنسان إذا أحب شخصًا أحب مسكنه وأحب القرب منه، فلذلك كان تقبيلنا للحجر الأسود محبة لله عز وجل وتعظيمًا له ومحبة للقرب منه سبحانه وتعالى.
يقول:(يحاذي الحجر الأسود بكله ويستلمه ويقبِّله، فإن شق قبَّل يده) يعني: بعد استلامه (إن شق) أي: شق الاستلام والتقبيل فإنه يستلمه بيده ويقبِّل يده، ولهذا قال:(قبَّل يده) يعني: بعد أن يستلمه ويمسحه لا أنه يقبِّل يده بدون مسح وبدون استلام، فإن شق اللمس أشار إليه، وإذا أشار إليه فإنه لا يقبّله.