وقد طاف أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه ذات يوم، فجعل يستلم الأركان الأربعة، فأنكر عليه ابن عباس، ابن عباس ينكر على الخليفة، نعم ينكر، فقال له معاوية: إنه ليس شيء من البيت مهجورًا، فعلَّل بعلة عقلية، والعلة العقلية قد تكون ساقطة.
فقال له ابن عباس: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، ولم يستلم النبي صلى الله عليه وسلم من البيت إلَّا الركنين اليمانيين، فقال: صدقت (٤)، وكفَّ عن استلام الركن الشمالي والغربي؛ لأن الصحابة يريدون الحق أينما كان، فكفَّ وصار يستلم الحجر الأسود والركن اليماني؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يستلم إلا هذين الركنين.
فإن قال قائل: ما الحكمة في أنه لم يستلم الأركان الأربعة؟
فالجواب: أن الركن الشمالي والغربي ليسَا على قواعد إبراهيم، فلذلك لم يستلمهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إذ إن البيت كان ممتدًّا نحو الشمال من قبل، لكن لما عمرته قريش قصرت بهم النفقة، فرأوا -وهو رأي سديد- أن يحطِّموا الجزء الشمالي من الكعبة؛ لأنه لا سبيل لهم إلى حطم الجزء الجنوبي، لماذا؟ لأن فيه الحجر الأسود، ولا إلى الركن اليماني والركن الغربي، ليش؟ لأنهما لو حطمَا الكعبة من هناك لصارت الكعبة مستطيلة طولًا لا يتناسب مع العرض.
وإلَّا فالركن اليماني سيبقى ركنًا يمانيًا، حتى لو حطم من الجهة الغربية فسيبقى الركن هو الركن، لكن تبقى غير كعبة في الواقع؛ لأن الكعبة هي البناء المربع، أو القريب من التربيع، فإذا صارت مستطيلة ما صارت كعبة، فهذا هو الحكمة في أنه لم يستلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا الركنين اليمانِيَيْنِ.
لم يذكر المؤلف رحمه الله ماذا يقول في طوافه بعد أن ذكر التكبير عند الحجر، لم يذكر رحمه الله ماذا يقول عند استلام الركن اليماني، فماذا يقول؟
نقول: إنه لا يقول شيئًا، يستلم بلا قول لا تكبيرًا ولا غيره؛ لأن ذلك لم يَرِد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.