(مَنْ وقفَ) محرمًا (بعرفة ولو لحظةً). قوله:(ولو لحظة) يحتمِل أنه إشارة خلافٍ، ويحتمِل أنه للمبالغة وأنه لو وقفَ ولو أدنى وقفةٍ، وهذا الأقرب.
(مِن فَجْرِ يوم عرفةَ إلى فَجْرِ يوم النحر) أفادنا المؤلف -رحمه الله- أنَّ وقت الوقوفِ من فجر يوم عرفة، وهذا من مفردات مذهب الإمام أحمد، وجمهور العلماء على خلافه؛ على أنَّ وقت الوقوفِ من الزوال.
حُجَّة الإمام أحمد -رحمه الله- حديثُ عُروة بنِ الْمُضَرِّس أنَّه وافَى رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم في مزدلفة لصلاةِ الصبح، وأخبره ما صَنَعَ وأنَّه أَتْعَبَ نفْسَه وأَكَلَّ راحِلتَه ولَمْ يَدَعْ جبلًا إلَّا وقفَ عنده، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ وَقَدْ وَقَفَ قَبْلَ ذَلِكَ بِعَرَفَةَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ»(٧). فالشاهد قوله:«لَيْلًا أَوْ نَهَارًا»، ولم يقيِّده بما بعد الزوال، هذا ما استدلَّ به الإمام أحمد -رحمه الله- في المشهور عنه.
أمَّا جمهور العلماء -وهو رواية عن أحمد- فإنَّ وقت الوقوفِ يكون مِن زوال الشمس، ويحتجُّون لذلك بأنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقِفْ قبل الزوالِ، وقال:«خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ»(٨)، وعليه فيُحمَل قولُه لعروة بن المضرِّس:«لَيْلًا أَوْ نَهَارًا»؛ أي: نهارًا مما يصِحُّ الوقوفُ فيه، فيكون مطْلقًا مقيَّدًا بالسُّنة الفعلية من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا شكَّ أنَّ هذا القول أَحْوط من القول بأنَّ النهار يشمل ما قبل الزوال.
يقول:(ومَنْ وقفَ ولوْ لحظةً مِن فَجْرِ يوم عرفةَ إلى فَجْرِ يوم النحر وهو أهلٌ له) أي: للحجِّ، جملة:(وهو أهلٌ) حالٌ من فاعل (وقفَ)؛ يعني: والحالُ أنه أهلٌ للحج.