فيه احتمال أن يكون الرسول عليه الصلاة والسلام فعل ذلك تعبدًا، ويحتمل أن يكون فعله لتنشيط الجسم من هذا الإغماء؛ لأن الجسم إذا أغمي عليه سيلحقه فتور، ولكن الفقهاء -رحمهم الله- يرون أن ذلك على سبيل التعبد، ولهذا قالوا: إنه يسن أن يغتسل، أما بالنسبة للجنون، فإنهم قاسوه على الإغماء، وقالوا: إذا شُرع الاغتسال للإغماء، فللجنون من باب أولى؛ لأن الجنون أشد من الإغماء.
إذن صار الذي ذكر المؤلف من الأغسال المسنونة ثلاثة: الغُسل لتغسيل الميت، الغُسل للجنون، الغُسل للإغماء.
قال المؤلف:(بلا حُلْم)، أي: بلا إنزال، فإن أنزل في حال الإغماء، فإنه يجب عليه الغسل كالنائم إذا احتلم في منامه؛ فإنه يجب عليه الغسل.
ثم قال:(والغسل الكامل أن ينوي، والمجزئ أن ينوي، ويسمي، ويعم بدنه بالغسل مرةً) إلى آخره.
الغسل له صفتان: صفة كمال، وصفة إجزاء، كما أن الوضوء أيضًا له صفتان: صفة كمال، وصفة إجزاء، كذلك الصلاة لها صفة كمال، وصفة إجزاء، وكذلك الحج، فما هو الضابط؟
ما اشتمل على ما يجب فقط فهو صفة إجزاء، وما اشتمل على الواجب والكمال، فهو صفة كمال، هذا الضابط.
الغسل الكامل:(أن ينوي)، (أن) هذه وما دخلت عليه في تأويل مصدر خبر المبتدأ.
(أن ينوي) والنية لغةً: القصد، وأما في الاصطلاح: فهي العزم الجازِم على فعل الشيء، هذه النية في الاصطلاح أن تعزِم على فعل الشيء، سواء كان ذلك الشيء عبادة، أم معاملة، أم غير ذلك أم عادة، المهم العَزْم على فعل الشيء يُسمَّى نِيَّة، وأين محلها؟ محلها القلب، ولا تعلق لها باللسان، ولا يشرع للإنسان أن يتكلم بما نوى عند فعل العبادة لماذا؟
لو قال قائل: لماذا لا نقول إنه يُشرع أن يتكلم بما نوى عند فعل العبادة ليطابق القلب اللسان؟
فالجواب: أن نقول: إن ذلك خلاف السنة.
فلو قال قائل: الرسول عليه الصلاة والسلام ما نهى عن ذلك؟