للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول: (إذا سار إلى عرفة، وكلها موقف إلا بطن عرنة) كلها موقف، وهي واسعة، لا تظن أنها المسجد وما حوله، بل هي واسعة جدًّا تأخذ الحجيج مهما بلغوا، (كلها موقف) لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما ارتحل من نمرة وأتى بطن الوادي؛ بطن عرنة، وهو معروف حتى الآن، نزل فصلَّى الظهر والعصر، لكنه خطب أولًا الخطبة البليغة الشهيرة، ثم أمر بلالًا فأذن، ثم صلى الظهر، ثم أمره فأذَّن فصلى العصر، ولم يُجَمِّع -أي لم يصلِّ جمعة- مع أن ذلك اليوم كان يوم الجمعة، مما يدل على أن المسافر لا يقيم جمعة حتى لو كان معه أهل الأرض جميعًا، خطب الناس، ثم أمر بلالًا فأذن فصلى الظهر، ثم العصر، ثم ركب ناقته حتى أتى الموقف الذي اختاره عليه الصلاة والسلام، وهو شرقي عرفة عند الصخرات، وهو معروف حتى اليوم، ووقف هناك وقال: «وَقَفْتُ هَاهُنَا، وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» (١٣).

وهو يشير عليه الصلاة والسلام بكلمة: «عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» إلى أن الأفضل أن الإنسان ينزل في مكانه؛ لأنها كلها موقف، لا فرق بين هذا وهذا، فلا تتعب نفسك بالذهاب إلى موقف الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وهذا من حكمته صلوات الله وسلامه عليه ورحمته بالأمة.

فإن قيل: لماذا اختار الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الموقف؟

فالظاهر لي -والله أعلم- أن من هديه صلى الله عليه وسلم في أسفاره أنه يكون في أُخْريات القوم، والمكان الذي اختاره في شرق عرفة، فالناس كلهم بين يديه، فإذا دفعوا سيكونون؟

طالب: أمامه.

الشيخ: أمامه، ويكون هو في المؤخرة عليه الصلاة والسلام، وهذا من تواضعه صلوات الله وسلامه عليه ومن حسن سياسته؛ لأنه إذا كان في أُخْرَيات القوم تفقد الناس، والذي ينقطع يساعده، والذي يحتاج إلى شيء يساعده.

<<  <  ج: ص:  >  >>