للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإمام أحمد لما قيل له: إن فلانًا يقول: في تركه دم؛ ضحك رحمه الله وقال: هذا شديد. وهذا يدل منه على أن المبيت في منى سنة. فالمبيت بمنى لا ينبغي أن نشدد فيه، ما دام العلماء من التابعين فمن بعدهم بعضهم يرخص فيه ويرى أنه إذا ترك ليلة فلا شيء عليه، وبعضهم يقول: يتصدق بدرهم، وبعضهم يقول: يتصدق بشيء بقبضة من طعام أو نحو ذلك، فهو عند العلماء ليس بمنزلة المبيت في مزدلفة، ولهذا صار الإفتاء الآن بأنه إذا كانت منى ضيقة فإن الإنسان يبيت في أي مكان شاء، سواء في مكة أو في مزدلفة أو وراء ذلك.

ولكن سبق لنا أن الذي ينبغي أن يضرب خيمته عند آخر خيمة، سواء كان من جهة العقبة، أو من جهة وادي مُحَسِّر؛ لأجل أن يكون مظهر الحاج واحدًا.

(والرمي) رمي الجمار، الثلاث في أيام التشريق، والعقبة في يوم العيد، فهو من الواجبات، لو ترك الأيام كلها لم يرم فعليه دم واحد، ولو ترك ثلاث حصيات من آخر جمرة فعليه دم، على ما ذهب إليه الفقهاء رحمهم الله.

ما هو الدليل على أن رمي الجمرات واجب؟

الدليل: أن النبي صلى الله عليه وسلم حافظ عليه، وقال: «بِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ فَارْمُوا» (١٠).

وكونه يحافظ عليه ويأمر أن نرمي بمثل هذه الحصيات يدل على أنه مهم. وأقل الأحوال أن نقول: إنه واجب.

الثالث: الحلق أو التقصير، يعني المؤلف ما ذكر التقصير، لكن معروف. الحق أو التقصير واجب من الواجبات، وليس كما قيل: إطلاقًا من محظور. لأن بعض العلماء يقول: الحلق يعني أن إحرامك انتهى، وقصصت الشعر أو حلقته، وليس بنسك وعبادة. ولكن هذا القول ضعيف جدًّا؛ لأننا لو قلنا: إنه إطلاق من محظور لقلنا: إذن يتحلل بجماع زوجته، إذا رمى ونحر يقول: بدل حلق الرأس يجامع زوجته؛ لأن جماعه يدل على أنه حَلَّ وانتهى. وكيف يكون إطلاقًا من محظور والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم دعا للمُحَلِّقِينَ ثلاثًا، وللمُقَصِّرينَ مرَّة (١١)، وحافظ عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>