ثم قال المؤلف:(وابتداؤها من العقد)(ابتداؤها) يعني: ابتداء مدة الخيار (من العقد)؛ لأنها شُرِطت في العقد فيكون ابتداؤها من العقد، فإذا عُقد في تمام الساعة الثانية عشرة عند زوال الشمس، وجُعل الخيار يومًا، انتهاؤه متى؟ إذا جاءت الساعة الثانية عشرة من اليوم التالي.
ألا يقال: ابتداؤها من التفرق؛ لأن ما قبل التفرق ثابت بالشرع لا بالشرط؟ الخيار الذي قبل التفرق ثابت بالشرع لا بالشرط؟
فيقال: بل من العقد؛ لأنه لا يمنع أن يتوارد سببان على شيء واحد، فيكون هذا -أي ما بين العقد والتفرق يكون- ثابتًا بالشرع وأيش؟ والشرط، ولا مانع. نعم إن قال: لي الخيار ثلاثة أيام بعد التفرق فحينئذٍ يكون ابتداؤه من التفرق.
على أنه لو قال قائل: إنه إذا قال لي ثلاثة أيام من التفرق لم يصح، لو قال قائل: إنه لا يصح؛ لأن التفرق أمده مجهول، فيكون الأمد الذي قُيِّد ابتداؤه به مجهولًا، لكن مثل هذا يُتسامح فيه؛ لأن الغالب أن التفرق يكون قريبًا.
يقول:(ابتداؤها من العقد).
أرأيتم لو شُرِطَ الخيار بعد العقد بساعة وهما في مكان البيع، فهل تبتدئ المدة من العقد أو من حين اشتُرط؟
نقول: من حين اشتُرط، لكن المؤلف قال:(من العقد)؛ لأنه يرى أن خيار الشرط إنما يكون في صلب العقد، ولهذا قال:(ابتداؤها من العقد).
(وابتداؤها من العقد، وَإِذَا مَضَتْ مُدَّتُهُ) أي: مدة الخيار خيار الشرط، (أو قطعاه بطل).
قوله:(إذا مضت مدته .. بطل)؛ لأن (بطل) هذه جواب الشرط للمسألتين كلتيهما؛ يعني: المسألة الأولى (إذا تمت مدته)، والثانية (إذا قطعاه)، ولا يصح أن نقول فيما إذا مضت مدته: إنه بطل؛ لأنه تمت المدة ومضت على أنها صحيحة، ولو قال: إذا مضت مدته لزم البيع وإن قطعاه بطل، لكان أحسن؛ لأن بطلانه بعد تمامه لا وجه له، لكن قد يُعتذر عن المؤلف رحمه الله بأنه أراد بذلك الاختصار.