قال المؤلف:(كل إناء طاهر)؛ احترازًا من الإناء النَّجِس؛ فإن النجس لا يجوز استعماله؛ لأنه نَجِسٌ قذر، وفي هذا الذي قاله المؤلف نظر، فإن الإناء النجس يباح استعماله إذا كان على وجه لا يتعدىلنجس يُباح استعمالُه إذا كان على وجه لا يتعدَّى، فلا حرج في استعماله، كما سيأتينا إن شاء الله تعالى في مسألة الجلد، قبل الدبغ أو بعد الدبغ، فإذا استعمل على وجه لا يتعدَّى فإنه لا حرج فيه، والدليل على ذلك حديث جابر أن النبي عليه الصلاة والسلام قال حين فتح مكة:«إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وِالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ؟ فَإِنَّهَا تُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَتُدْهَنُ بِهَا الْجُلُود، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ، قَالَ: لَا، هُوَ حَرَامٌ»(٤). فأقرَّ النبيُّ عليه الصلاة والسلام هذا الفعل مع أن هذه الأشياء نجسة، فدل ذلك على أن الانتفاع بالشيء النجس إذا كان على وجه لا يتعدى لا بأس به.
وقوله:(ولو ثمينًا)(لو): هذه إشارة خلاف؛ يعني: ولو كان غاليًا مرتفعَ الثمن مثل أيش؟ كالجواهر، والزُّمرد، والماس، وما أشبه ذلك فإنه يُباحُ اتخاذُه واستعماله.
وقال بعض أهل العلم: إن الثمين لا يُباح اتخاذُه واستعمالُه؛ لما فيه من الخيلاء والإسراف؛ وعلى هذا القول يكون التحريم فيه لذاته ولّا لغيره؟ لغيره، وهو كونه إسرافًا وداعيًا إلى الخيلاء والفخر، فيكون من هذه الناحية محرَّمًا؛ لا لأنه ثمين.
وقوله:(يُباحُ اتخاذُه) هذا خبر المبتدأ، أين المبتدأ؟ (كُلُّ)، والتركيب هنا فيه شيء من الإيهام؛ لأن قوله:(يُباحُ اتِّخاذُهُ واستعمالُه)، قد يَتَوهَّم الواهم أنها صِفة لا أنها خبر، ويتوقع الخبر؛ ولهذا لو قال المؤلف: يُباحُ كُلُّ إناءٍ طاهر ولو ثمينًا؛ يباح اتخاذُه واستعماله لكان أولى، ولكن على كل حال المعنى واضح.