للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: "فطارا" زاد في رواية: فوقع واحد باليمامة والآخر باليمن، وفي ذلك إشارة إلى حقارتهما؛ لأن الذي ينفخ فيذهب بالنفخ إنما يكون في غاية الحقارة، وفي طيرانهما إشارة إلى حقارة أمرهما واضمحلال شأنهما.

قوله: "فأولتهما الكاذبين اللذين أنا بينهما" قال القرطبي (١): ما ملخصه: مناسبة هذا التأويل لهذه الرؤيا أن أهل صنعاء وأهل اليمامة كانوا قد أسلموا وكانوا كالساعدين للإسلام، فلما ظهر فيهما الكذابان [٤٧٧/ ب] وبهرجا على أهلهما زخرفا أقوالهما، ودعواهما الباطلة، فانخدع أكثرهم بذلك، فكان اليدان بمنزلة البلدين، والسواران بمنزلة الكذابين، وهو ظاهر أنهما كانا حين قص الرؤيا موجودين، ووقع في صحيح مسلم (٢) يخرجان بعدي.

قال القاضي (٣): أي: يظهر أمرهما وشأنهما بعده [- صلى الله عليه وسلم -] (٤) وإلا فقد كانا موجودين في عصره، فإن الأسود العنسي ظهر بصنعاء في حياته - صلى الله عليه وسلم -، وادعى النبوة، وعظمت شوكته، وحارب المسلمين، وفتك فيهم وغلب على البلد، وآل أمره إلى أن قتل في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأما مسيلمة فادعى النبوة في حياته - صلى الله عليه وسلم - لكن لم تعظم شوكته ولم تقع محاربته إلا في عهد أبي بكر، قال ابن العربي (٥): يحتمل أن التأويل منه - صلى الله عليه وسلم - كان بوحي، ويحتمل أن يكون تفاءل بذلك عليهما دفعاً لحالهما، وأخرج المنام عليهما؛ لأن الرؤيا إذا عبرت وقعت.

٣ - وَعَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنَّي أُهاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِها نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهِلي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ، فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ، وَرَأَيْتُ


(١) في "المفهم" (٦/ ٤٤).
(٢) في صحيحه رقم (٢٢٧٤).
(٣) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (٧/ ٢٣٤) للقاضي عياض.
(٤) زيادة من (أ).
(٥) في "العارضة" (٩/ ١٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>