للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: "وعن أبي ذر كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد خاصة" يريد كان فسخ الحج إلى المتعة خاصاً بأصحابه - صلى الله عليه وسلم - دون غيرهم.

وهذه المسألة قد أطال ابن القيم (١) فيها المقال غاية الإطالة وردّ دعوى الاختصاص بل اختار أخيراً أنّ الفسخ عام للمسلمين إلى يوم القيامة, وأنه من دخل مكة حاجاً وطاف


(١) قال ابن القيم: في "زاد المعاد" (٢/ ١٨٠ - ١٨٢) وقد روى عن عثمان مثل قول أبي ذر في اختصاصي ذلك بالصحابة ولكنهما جميعاً مخالفان للمروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ذلك للأبد بمحض الرأي، وقد حمل ما قالاه على محامل:
أحدها: أنهما أرادا اختصاص جواز ذلك بالصحابة، وهو الذي فهمه من حرم الفسخ.
الثاني: "اختصاص وجوبه بالصحابة, وهو الذي كان يراه شيخنا قدس الله روحه يقول: إنهم كانوا قد فرض عليهم الفسخ لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهم به, وحتمه عليهم، غضبه عندما توقفوا في المبادرة إلى امتثاله وأما الجواز والاستحباب فللأمة إلى يوم القيامة ... ".
الثالث: "أنه ليس لأحد من بعد الصحابة أن يبتدئ حجاً قارناً أو مفرداً بلا هدي، بل هذا يحتاج معه إلى الفسخ، لكن فرض عليه أن يفعل ما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه في آخر الأمر من التمتع لمن لم يسق الهدي، والقران لمن ساق، كما صح عنه ذلك، وأما أن يحرم بحج مفرد، ثم يفسخه عند الطواف إلى عمرة مفردة, ويجعله متعة، فليس له ذلك، بل هذا إنما كان للصحابة ... ".
ثم قال: وإذا تأملت هذين الاحتمالين الأخيرين، رأيتهما إما راجحين على الاحتمال الأول، أو مساويين له، وتسقط معارضة الأحاديث الثابتة الصريحة به جملة، وبالله التوفيق.
وأما ما رواه مسلم في "صحيحه" عن أبي ذر، أن المتعة في الحج كانت لهم خاصة، فهذا إن أريد به أصل المتعة، فهذا لا يقول به أحد من المسلمين، المسلمون متفقون على جوازها إلى يوم القيامة, وإن أريد به متعة الفسخ احتمل الوجوه الثلاثة المتقدمة.
وقال الأثرم في سننه، وذكر لنا أحمد بن حنبل، أن عبد الرحمن بن مهدي حدثه عن سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبي ذر، المتعة في الحج كانت لنا خاصة، فقال أحمد بن حنبل: رحم الله أبا ذر، هي في كتاب الله عز وجل: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: ١٩٦]. =

<<  <  ج: ص:  >  >>