للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: ولا أدري من أين عرف هجرها أبا بكر فإنه لا ريب أنها أجنبية بالنسبة إلى أبي بكر لا يحل لها مواجهته ولا له مواجهتها، وإذا كان كذلك فما معنى نسبة الهجر إليها له فإن التزاور، والتواصل، والاجتماع الذي هو ضد الهجر إنما يكون بين الحريم والرجال، إذا كان تحل المواجهة بينهم وتجوز الخلوة بهن ونحو ذلك، والبتول - رضي الله عنها - أجنبية عن أبي بكر قطعاً، وقد أذن للأجنبي إذا سأل نساء رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - متاعاً أن يسألوهن من وراء حجاب، فلا يتحقق هجرها إياه من وراء الحجاب، إلا إذا ثبت أنه وصل إليها ثم ردته من منزلها ولم تخاطبه، وهذا شيء لم ينقل أصلاً فلينظر.

وقد نقل في "الفتح" (١) عن بعض الأئمة: إنما [كان هجرها] (٢) انقباضاً عن لقائه، والاجتماع به وليس ذلك من الهجران المحرم، فإن شرطه أن يلتقيا ويعرض هذا وهذا، وكأن فاطمة - عليها السلام - لما خرجت غضبى من عند أبي بكر تمادت في اشتغالها بحزنها ثم بمرضها. انتهى.

وقوله (٣) "عن لقائه والاجتماع به" فيه ما عرفت من أنه أجنبي عنها فلا تلاقي بينهما ولا اجتماع.

قال ابن حجر (٤): وأما سبب غضبها مع احتجاج أبي بكر بالحديث المذكور فلاعتقادها [٣٦٢ ب] تأويل الحديث على خلاف ما تمسك به أبو بكر، فإنها اعتقدت تخصيص العموم في قوله "لا نورث"، ورأت [٢٥٢/ أ] أن منافع ما خلفه - صلى الله عليه وسلم - من أرض وعقار لا يمتنع أن


(١) (٦/ ٢٠٢).
(٢) كذا في (أ. ب) والذي في "الفتح": كانت هجرتها.
(٣) أي قول ابن حجر في "فتح الباري" (٦/ ٢٠٢).
(٤) في "فتح الباري" (٦/ ٢٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>