للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: وقد ذكر عباده بما صدر عن صفته رحمته فقال: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا} (١)، {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا} (٢)، {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} (٣).

[] (٤) وها هنا سؤال أوردوه في المقام وأجابوا عنه جواباً نفيساً، قالوا ما معناه: فإن قلت: ما معنى كونه رحيماً وأرحم الراحمين وأنت ترى الدنيا طافحة بأهل الابتلاء من الأمراض والمحتاجين وغير ذلك، وهو تعالى قادر قطعاً على إزالة ما بهم وإماطة كل بلية وحاجة وفقر؟

والجواب (٥): أن الطفل الصغير قد ترق له أمه فتمنعه عن الحجامة، والأب العاقل يحمله عليها قهراً، والجاهل يظن أن الرحيم هي الأم دون الأب، والعاقل يعلم أن إيلام ابنه بالحجامة من كمال رحمته وعطفه، وتمام شفقته، وأن الأم عدو له في صورة صديق، وأن الألم القليل إذا كان سبباً للذة الكثيرة لم يكن شراً، بل كان خيراً، والرحيم يريد الخير للمرحوم لا محالة، وليس في الوجود شر إلا وفي ضمنه خير، لو رفع ذلك الشر لبطل الخير الذي في ضمنه وحصل ببطلانه شر أعظم من الشر الذي يتضمنه، فاليد المتآكلة قطعها شر في الظاهر، وفي


(١) سورة يونس: ٦٧. ولعله يشير إلى قوله تعالى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [القصص: ٧٣].
(٢) سورة النور: ٢١.
(٣) سورة يونس: ٥٨.
(٤) في المخطوط (ب) بياض بمقدار كلمة.
(٥) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص ٦٤ - ٦٥)، وانظر: "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" للقرطبي (١/ ٦٢ - ٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>