للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضمنها الخير الجزيل وهو سلامة البدن، ولو ترك قطع اليد لحصل هلاك البدن ولكان الشر أعظم، فقطع اليد لسلامة البدن شر لكن في ضمنه خير [٤٢٥ ب]، [والنظر] (١) الأول في قطعها السابق إلى نظر القاطع السلامة التي هي خير محض، فهي غرض الغرض، فإن السلامة مطلوبة لذاتها أولاً، والقطع مطلوب لغيره ثانياً لا لذاته (٢).

والمراد لذاته قبل المراد لغيره؛ فإنه مطلوب ثانياً والكل مراد، لكن إرادة الخير لذاته وإرادة الشر لغيره، وهو ما في ضمنه من الخير، وليس في ذلك ما ينافي الرحمة أصلاً، فإن خطر ببالك نوع من الشر ما ترى تحته خيراً، أو خطر لك أن ذلك الخير ممكن حصوله بغير حصول الشر، فاتهم عقلك القاصر في أحد الخاطرين (٣)، ولا تشكنَّ أصلاً في أنَّه تعالى الرحمن الرحيم أرحم الراحمين.

قوله: "الملك" لم يفسراه كما تراه.


(١) كذا في (أ، ب)، والذي في "المقصد الأسنى": والمراد.
(٢) ثم قال الغزالي: فهما داخلان تحت الإرادة ولكن أحدهما مراد لذاته، والآخر مراد لغيره.
(٣) قال الغزالي: أما في قولك: إن هذا الشرك لا خير تحته؛ فإن هذا مما تقصى العقول عن معرفته، ولعلك فيه مثل الصبي الذي يرى الحجامة شرًّا محضاً، أو مثل الغبي الذي يرى القتل قصاصاً شراً محضاً؛ لأنه ينظر إلى خصوص المقتول، لأنه في حقه شر محض، ويذهل عن الخير العام الحاصل للناس كافة، ولا يدري أن التوصل بالشر الخاص إلى الخير العام خير محض، ولا ينبغي أن يهمله.
أو اتهم عقلك في الخاطر الثاني، وهو قولك: إن تحصيل ذلك لا من ضمن ذلك الشر ممكن، فإن هذا أيضاً دقيق غامض، فليس كل محال وممكن مما يدرك إمكانه واستحالته لبديهة، بل ربما عرف ذلك بنظر عامل دقيق يقصر عنه الأكثرون.
فاتهم عقلك في هذين الطرفين، ولا تشكن أصلاً في أنه أرحم الراحمين، وأنه سبقت رحمته غضبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>